بيان من اللجنة الفنية الإستشارية للجمعية التأسيسية للدستور
تلقى أعضاء اللجنة الموقعون على هذا البيان خطابا من الأمين العام للجمعية التأسيسية للدستور بتاريخ 25-9-2012 يخطرهم باختيارهم أعضاء في مجموعة استشارية لمراجعة مسودة الدستور، ويعدهم بموافاتهم تباعا بمواد الدستور التي تنتهي منها لجنة الصياغة ، وذلك لإبداء الرأي فيها، وعقد جلسات استماع في موعد يحدد لاحقا ، وكان قرارهم بتشكيل لجنة للعمل معاً لاقتراح مسودة واحدة معدلة لتحقيق درجة أكبر من التوافق المجتمعي، وقامت اللجنة بعملها وراجعت خلال هذه الفترة الأبواب الأربعة الأولى من الدستور ورأت قصورا في كثير من المواد التي تتعلق بمقومات المجتمع والحقوق والحريات وهيكل الدولة والعلاقة بين السلطات ، واقترحت تعديلات جذرية على حوالي خمسين مادة.
وقد طالبت اللجنة عدة مرات بإتاحة الفرصة لها كما ورد في خطاب التكليف لسماع مقترحاتها وتعديلاتها وشرح أسبابها، لكن الجمعية التأسيسية لم تستجب لهذا الطلب الضروري بتخصيص جلسة كاملة لهذا الغرض ، بل فقط دقائق معدودة في بداية أحد الجلسات لم تسمح سوى بإشارة لمادتين، وتم إبلاغها أن وقت الهيئة التأسيسية لا يتسع لجلسة خاصة أو أكثر، فقدمت اللجنة اقتراحا آخر بالإجتماع بلجنة الصياغة حتى تؤخذ التعديلات بعين الاعتبار قبل عرض الصياغة شبه النهائية للمواد على الجمعية التأسيسية للتصويت - فلم يُقبل ذلك، وبهذا لم تتم الاستفادة من أعمال هذه اللجنة الفنية المتخصصة.
إزاء هذا الوضع يعلن أعضاء اللجنة الموقعون على هذا البيان أسفهم الشديد وإضطرارهم للإنسحاب من العمل في إطار الجمعية التأسيسية التي تسعى لإخراج الدستور في أقرب وقت مهما كان منقوصا، ويعلنون عزمهم على إتمام عملهم خارج نطاق الجمعية التأسيسية وتقديم صيغة مكتملة للدستور الذي يليق بمصر ويحقق أهداف الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية، علما بأن قرار اللجنة لا صلة له بإنسحاب أطراف أخرى لإعتبارات مختلفة من الهيئة التأسيسية، وأن معظم تعديلات اللجنة لا تتعلق بمواد الشريعة التي يدور حولها الجدل الإعلامي ، بل بمواد تتعلق بصميم التوازن بين السلطات وبعدم التخلي عن التقاليد الدستورية والأخذ في الإعتبار طموحات الإنسان المصري بعد الثورة.
والله على ما نقول شهيد.
الموقعون على بيان اللجنة الفنية الإستشارية :
أحمد كمال أبو المجد - سعاد الشرقاوي - صلاح فضل -حمدي قنديل - حسن نافعة- محمد السعيد إدريس- صلاح عز- هبة رءوف عزت
شهادتي:
خلفية تفصيلية للقرار:
في لحظة عصيبة تزايدت فيها الإنقسامات والنزاعات على الساحة السياسية والإجتماعية سعت مجموعة من المصريين للقيام بدور للدفاع عن الثورة ويسعى للتأكيد على استحقاقاتها ويحقق التوافق بين القوى الوطنية ويقرب وجهات النظر ويقدم حسن الظن قبل وبعد انتخابات الرئاسة المصرية،بدون تخوين ولا مزايدة على أي مصري، فتشكلت الجبهة الوطنية من أفراد لا يقدمون أنفسهم على أحد ولا يزعمون نخبوية ولا ينتحلون أدوارا بل يسعون لطرح مبادرات وتقديم مساعي مخلصة من أجل مصلحة الوطن. وقد استمرت الجبهة في المطالبة من خلال إتصالات مكثفة بالقيادة السياسية ومن خلال التشاور مع قوى سياسية متنوعة لتحقيق مطلب إجراء تعديلات على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بما يكفل لها القيام بدورها الوطني ويدعم أداءها من أجل كتابة مسودة دستور يليق بمصر.
وفي إطار هذه الجهود نشأت فكرة تصعيد مجموعة أسماء من الإحتياطي، وتكليف مجموعة من الخبراء من الأسماء الوطنية المستقلة بالقيام بدور استشاري يدعم أداء الجمعية التأسيسية ويثري نقاشاتها ، وتشجيع الأعضاء المنسحبين من الجمعية التأسيسية على العودة من أجل تحريك المسار للأمام، رغم تحفظات البعض على طريقة تشكيل الجمعية تأسيسية.
وفي إطار هذه الجهود والمساعي تم التوافق بموضوعية على مجموعة أسماء لمجموعة متخصصين في مجالات متنوعة بلغت 25 إسماً أغلبهم من خارج الجبهة الوطنية وليس لهم انتماءات حزبية من خبراء دستوريين وأساتذة جامعيين في مجالات متنوعة اختارت أمانة الجمعية التأسيسية منها 10 أسماء لم يعترض عليها أعضاء اللجنة التأسيسية عند الإعلان عنها من قبل المستشار الغرياني كأعضاء للجنة الاستشارية الفنية لمراجعة مسودة الدستور.
ورغم تأخر وصول خطابات التكليف والتواصل مع أعضاء المجموعة الإستشارية من قِبل أمانة الجمعية التأسيسية قرابة الأسبوعين بعد الإعلان عن تشكيلها، لكن الأعضاء من منطلق مسئوليتهم الوطنية أخذوا هذا التكليف بكل جدية ووطنية، ولبوا دعوة كريمة ليسهموا إسهاما موضوعيا من خلال الكلمة الأمينة وتراكمات خبرتهم، وقرروا العمل في صورة لجنة متعاونة ، وتقابلوا بشكل منتظم للاتفاق على تعظيم الفائدة نظرا لتنوع اختصاصاتهم وإثراء النقاش بشأن المواد كي تصب الاقتراحات والتعديلات في مسودة واحدة يتفقون عليها بموضوعية دون أي تحزب أو اعتبارات أيديولوجية- رغم اختلاف تخصصاتهم ورؤاهم السياسية – ثم يقدموها للمستشار حسام الغرياني والجمعية التأسيسية الموقرة.
وكان أول لقاء لهم يوم الثلاثاء 2 أكتوبر 2012 مع المستشار الغرياني وطالبوا فيه بالتالي:
-أن يخصص لهم مكان تحت قبة مجلس الشورى لتكون اجتماعاتهم بالتوازي مع اللجنة التأسيسية كمجموعة عمل .(ووافق المستشار الغرياني على تخصيص مكان لهم في كل مرة يجتمعون فيها بالتنسيق مع سكرتارية الجمعية التأسيسية)
-أن يتمكنوا من حضور اجتماعات اللجنة التأسيسية للإطلاع على سير النقاشات وتنوع الرؤى.(وهو ما تم بنفس اليوم، وتكرر حضور أعضاء اللجنة لمتابعة النقاشات بحسب وقتهم )
-أن يتم منحهم الفرصة في الوقت المناسب لعرض التعديلات المقترحة على أعضاء الجمعية التأسيسية ومناقشتها باعتبارها لجنة تضم خبراء ومتخصصين في مجالات مختلفة -وهو معيار اختيار أعضاء اللجنة.(ولم يسنح وقت الجمعية سوى بإبداء ملاحظات عابرة مرة واحدة فقط في عشر دقائق على المنصة الثانية)
وقد اجتمع أعضاء اللجنة بانتظام بين مرتين وثلاثة في الأسبوع لمدة تتراوح بين أربع وست ساعات في كل مرة، وانتظمت نقاشاتهم الجادة وتوافقوا في كل مرة على التعديل بعد حوارات ودية ممتدة.. لكن أعضاء اللجنة لاحظوا عبر الأسابيع الماضية ما يلي:
- أن مسودة الدستور التي يعملون عليها تتغير بشكل مستمر بلغ في بعض الأحيان معدلا يوميا دون بيان:
أ-سبب التغيير وخلفية التفاوضات السياسية الكامنة وراءه.
ب-مواضع التغيير في المسودة الجديدة وتحديدها بأي نوع من أنواع الإشارة
- أن الاقتراحات التي بدأت تسلمها لأمانة الجمعية التأسيسية لا أثر لها في المسودات المتتالية.
ثم فوجيء أعضاء اللجنة أن أمانة الجمعية التأسيسية تعلن مع مطلع شهر نوفمبر عن جدول يومي للنقاشات النهائية للمسودة بالجمعية التأسيسية تحال بعدها للجنة الصياغة المصغرة لتكتب المسودة النهائية، في حين أن اللجنة الفنية الاستشارية لم تنته من عملها بعد.
وقد طلب أعضاء اللجنة مهلة زمنية هي ذات الأيام الخمسة التي تم الإعلان عنها لنقاشات الجمعية التأسيسية على أن يتاح للجنة عرض تعديلاتها بالتفصيل ومناقشتها مع الجمعية التأسيسية قبل التصويت النهائي للجمعية العامة للهيئة التأسيسية.
لكن الأعضاء وجدوا خلال الأيام الأخيرة وهم يعملون يوميا ولساعات طويلة أن المسودة مازالت تتغير ويَرِد لهم مسودة جديدة كل يومين، وأن الجمعية التأسيسية قد بدأت بالفعل في التصويت على المواد وإحالتها للجنة الصياغة النهائية، وحين اعترض أعضاء اللجنة أن هذا يجعل كل الجهد المبذول لا موضع له ولا أثر له في المسودة النهائية قيل لهم أن واحدا منهم فقط "قد يمكنه" عرض المقترحات على لجنة الصياغة..و"عند الحاجة فقط" .
وقد اعترض الموقعون على هذا البيان على ذلك لسببين:
-أن هذا يحرمهم من المشاركة في عملية النقاش النهائي للمسودة مع أعضاء الجمعية التأسيسية وهذا ما كان سبب تشكيل اللجنة بالأساس لإضافة تنوع في مشهد صياغة الدستور، وإلا فقد وجودهم منطقه وغايته.
-أن هذا يعد إفتئاتا على سلطة أعضاء الجمعية العامة للهيئة التأسيسية بعد أن قاموا بالتصويت بالفعل على المواد.
-أن مشاركة "واحد منهم وحين الحاجة" غير مكافئة للجهد المبذول من قبل المجموعة، وتجعله رهنا لتقدير المجموعة المصغرة في لجنة الصياغة- استدعاءً للواحد والتزاماً برأي اللجنة الاستشارية من عدمه- ويفتقر للشفافية التي تليق بجهد اللجنة وبالخلفية التخصصية لأعضاءها.
-أن هذا يجعل أعضاء الجنة مسئولون في النهاية عن النص النهائي دون أن يكونوا قد شاركوا بالفعل في إثراء النقاش حوله ، وهو ما لا يرتضونه أخلاقياً ولا سياسياً.
وبجوار ذلك كله قد لفت نظر المجموعة أمر فرعي لكن له دلالته هامة وهو أنه طول فترة عملها أنه لم يتم التواصل معها من جانب أي عضو من أعضاء الجمعية التأسيسية رغم عملها في نفس المبنى، ولم يتقدم لها أحد بسؤال ولا استفسار ولا استيضاح.
وقد قرر الموقعون وقف سير أعمال اللجنة تحت مظلة الجمعية التأسيسية لهذه الأسباب، بغض النظر عن موقف بعض أعضاء الجمعية التأسيسية ممن يُطلق عليهم في الإعلام "الكتلة المدنية" والذين عادوا بعد انسحابهم الأول بالتوازي مع بدء عمل اللجنة الفنية الاستشارية – وقد اتخذت اللجنة قرارها دون طلب منهم أو مشروطية بين المواقف. فهذا قرارمستقل لأعضاء اللجنة الاستشارية بعد جولتي حوار مباشر مع رئيس اللجنة التأسيسية ناقشوا فيها بجدية ما سبق توضيحه بما يجعل مهمتهم مستحيلة ومشاركتهم شكلية بحتة وتهدر ما أنفقوه من أيام طويلة في عمل مخلص وجهد جاد لتخرج المسودة بالصورة التي يرونها لائقة بمصر.
وهم اليوم يعلنون عدم تحملهم مسئولية مسودة الدستور النهائية التي ستخرج من الجمعية التأسيسية الحالية نتيجة لما سبق، ويعلنون أنهم سيكملون رسالتهم في مراجعة المسودة بهدوء خلال الأسابيع القادمة دون تعجل ولا ضغوط أو حسابات حزبية أو سياسية ليخرج جهدهم في نص متكامل يعكس رؤيتهم لما ينبغي أن يكون عليه دستور مصر، ويأخذون فيه بالإعتبار اقتراحات ومطالب الكثير من الفئات والمجموعات تعكس مطالب ورؤى وطنية وليست فئوية ، ثم يقومون بنشر مقترح الدستور بعد اكتماله للمساهمة في النقاش العام، ليكون شهادتهم التي يقدمونها لله..ولمصر، عسى أن ينتفع بها الوطن في لحظة تاريخية مناسبة.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق