كتب أ.علاء الأسواني.فى الأسبوع الماضى اتصل بى صديقى الإعلامى الكبير يسرى فودة وطلب استضافتى فى برنامجه الشهير «آخر كلام» حتى أعلق على الحلقة التى أجراها اللواء العصار واللواء حجازى من المجلس العسكرى على قناة دريم. تحمست للفكرة وشاهدت ما قاله اللواءان، ومع احترامى البالغ لهما فإن كلامهما جاء مخيباً للآمال، لأنه انحصر فى مديح قرارات المجلس العسكرى وبيان أوجه الحكمة والعظمة فيها. فى اليوم التالى اتصل بى الأستاذ يسرى فودة ليؤكد على موعد الحلقة، وبينما أستعد للذهاب إلى الاستوديو اتصل بى من جديد ليخبرنى بأن الحلقة تم إلغاؤها ودعانى لمقابلته. ذهبت إليه فوجدته هادئاً مبتسماً كعادته ولما سألته عما حدث قال بهدوء:
ــ «توجد ضغوط أدت إلى إلغاء الحلقة، أما أنا فقد قررت إيقاف البرنامج.. أنا لا أحتكم فى عملى إلا لضميرى ولن أقبل أبداً أن أعمل وفقاً لتعليمات أى جهة مهما كانت».
فى حياتى قابلت أشخاصاً قليلين فى مثل شجاعة يسرى فودة واستقامته الأخلاقية. إن موقفه الرائع ضد ضغوط المجلس العسكرى يقدم نموذجاً للإعلامى الشريف الذى لا يتنازل عن مبادئه أبداً مهما كانت المكاسب أو التهديدات.. يبدو أن المجلس العسكرى صار يضيق بالنقد مهما كان جاداً ومخلصاً. لقد بدأت حملة شرسة شاملة ضد حرية التعبير فى مصر: قبل إلغاء حلقة يسرى فودة قامت الشرطة العسكرية باعتداءات عنيفة ضد قناة 25 يناير وقناة الحرة وقناة الجزيرة مباشر مصر، بالإضافة إلى حذف موضوعات صحفية بعينها من بعض الصحف لأنها لا تعجب المجلس العسكرى... نحن نحترم القوات المسلحة كمؤسسة وطنية نعتز بها جميعاً، لكن المجلس العسكرى يجمع سلطتى رئيس الجمهورية والبرلمان أثناء الفترة الانتقالية وبالتالى من حقنا بل من واجبنا أن ننتقد قراراته السياسية. حتى تتضح صورة ما يحدث فى مصر يجب أن نجيب عن الأسئلة التالية:
أولاً: ما علاقة المجلس العسكرى بالثورة..؟
إن المجلس العسكرى لم يشترك فى الثورة ولم يدع إليها لكنه وجد نفسه أثناء الثورة فى لحظة تاريخية فاتخذ قراراً بعدم إطلاق النار على المتظاهرين. كان هذا القرار حكيماً ووطنياً مما أكسب المجلس العسكرى ثقة الثورة، وبالتالى ما إن تنحى مبارك عن الحكم حتى عاد ملايين المتظاهرين إلى بيوتهم وكلهم ثقة بأن المجلس العسكرى قد صار وكيل الثورة الذى سينفذ أهدافها جميعاً. المعروف أن الوكيل ليس من حقه أن يتصرف بعيداً عن إرادة موكله، لكن المجلس العسكرى تحول من وكيل للثورة إلى سلطة تفرض إرادتها على الثورة. النتيجة أن الثورة المصرية تعثرت وتعطلت. إن كل ما حدث فى أعقاب الثورة المصرية يعكس محاولات مستميتة من المجلس العسكرى من أجل مقاومة التغيير والمحافظة على نظام مبارك... أرادت الثورة دستوراً جديداً فرفض المجلس وقام باستفتاء على تعديلات محدودة فى دستور 71، ثم قام بإلغاء نتيجة الاستفتاء وأعلن دستوراً مؤقتاً احتفظ فيه بمجلس الشورى ونسبة 50% عمال وفلاحين، وقرر أن يكون النظام رئاسياً. أى أن المجلس العسكرى حدد شكل الدولة المقبل كما يريد دون استشارة المصريين وبعيداً عن إرادتهم. طالبت الثورة بحل المجالس المحلية وإغلاق الحزب الوطنى فرفض المجلس العسكرى وانتظر شهوراً طويلة حتى صدرت أحكام قضائية نهائية بالحل والإغلاق. استبقى المجلس العسكرى المسؤولين المنتمين إلى عصر مبارك فى كل مواقع الدولة.. طالبت الثورة بالعزل السياسى لأعضاء الحزب الوطنى الذين أفسدوا الحياة السياسية فى مصر حتى لا يفسدوها من جديد، لكن المجلس العسكرى ظل يدرس الأمر ولم يفعل شيئاً حتى تمكن فلول نظام مبارك من الترشح لمجلس الشعب.
ثانياً: هل حافظ المجلس العسكرى على كرامة المصريين..؟!
لقد قامت هذه الثورة من أجل الكرامة. كنا نحلم بأن يعامل أبسط مواطن فى مصر كإنسان له حقوق وكرامة.. لقد طالبت الثورة بإلغاء جهاز أمن الدولة حيث تم تعذيب المصريين وإهدار كرامتهم على مدى عقود، لكن المجلس العسكرى أصر على الاحتفاظ بهذا الجهاز الرهيب بعد تغيير اسمه إلى جهاز الأمن الوطنى.. لا يحتاج المرء إلى ذكاء كبير ليدرك أن جهاز أمن الدولة يقف وراء معظم الأزمات التى تحدث فى مصر بدءاً من الفتن الطائفية وحتى البلطجة والانفلات الأمنى.. ضباط أمن الدولة ينتمون فكراً وعملاً إلى نظام مبارك وهم سيفعلون كل ما يستطيعونه من أجل منع التغيير الذى سيؤدى قطعاً إلى محاكمتهم على الجرائم الكثيرة التى ارتكبوها فى حق المصريين وهم يملكون أدوات التخريب كاملة: معلومات دقيقة وعملاء مندسون فى كل مكان وأموال وفيرة يحصلون عليها من فلول نظام مبارك. لم يكتف المجلس العسكرى بالإبقاء على أمن الدولة بل أضاف إليه جهازا قمعياً جديداً: الشرطة العسكرية... فى شهور قليلة ارتكب أفراد الشرطة العسكرية ضد المصريين جرائم بشعة لم يحاسبهم أحد عليها: ضرب المواطنين وتعذيبهم وصعقهم بالكهرباء وهتك أعراض بنات مصر وتصويرهن عاريات بدعوى إجراء كشف العذرية، وأخيراً دهس المتظاهرين بمدرعة عسكرية فى مذبحة ماسبيرو.. فى أعقاب كل واحدة من هذه الجرائم كان المجلس العسكرى يعلن عن فتح تحقيقات لم نعرف نتائجها أبداً.أليس من حقنا أن نطالب بجهة تحقيق محايدة فى مذبحة ماسبيرو التى راح ضحيتها 27 مواطناً مصرياً..؟!
ثالثاً: هل يطبق المجلس العسكرى سياسة واحدة على الجميع..؟!
منذ البداية اقترب المجلس العسكرى كثيراً من جماعات الإسلام السياسى، ومن ناحية أخرى ـ جرياً على عادتهم التاريخية ـ قدم الإخوان المسلمون مصالحهم الحزبية على أهداف الثورة: بعد أن كانوا يطالبون بدستور جديد قبلوا تعديلات المجلس العسكرى وانحازوا إلى كل ما يفعله وصاروا بمثابة الجناح السياسى له حتى إن جريدة «المصرى اليوم» نشرت منذ أيام أن الإخوان فى حملاتهم الانتخابية يقومون بتوزيع اللحوم المدعمة من ميزانية الجيش. هذه المعايير المزدوجة امتدت إلى إجراءات القانون.. لقد تمت محاكمة 12 ألف مدنى أمام المحاكم العسكرية وهم يقضون الآن أحكاماً بالحبس. إن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية انتهاك لحقوقهم الإنسانية والقانونية وللمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر.. إن المجلس العسكرى يطبق المحاكمات العسكرية على مواطنين دون غيرهم. فالذين أحرقوا الكنائس وهدموا الأضرحة والذين قطعوا خط قطار الصعيد فى قنا لمدة أسبوعين ـ لم تقبض عليهم الشرطة العسكرية ولم تحقق معهم بالرغم من ظهورهم بالصوت والصورة فى فيديوهات كثيرة. فى الوقت نفسه كان الشاب على الحلبى، عضو حركة 6 أبريل، يرسم على الحائط ليدعو المواطنين إلى عدم انتخاب فلول نظام مبارك، فألقت الشرطة العسكرية القبض عليه وأحالته إلى النيابة العسكرية التى أمرت بحبسه فى السجن الحربى. تقدم الأستاذ جمال عيد المحامى وبعض زملائه إلى النائب العام ببلاغ ضد وزير الإعلام أسامة هيكل يتهمونه بالتحريض الطائفى ضد الأقباط فى التليفزيون الرسمى أثناء مذبحة ماسبيرو فإذا بالنائب العام يحيل البلاغ إلى القضاء العسكرى. هكذا يقرر المجلس العسكرى محاكمة المصريين عسكرياً أو مدنياً وفقاً لرغبته المطلقة. مثال آخر على المعايير المزدوجة: لقد قرر المجلس العسكرى مراقبة التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، وهذه خطوة صحيحة وواجبة. من حق المصريين أن يعرفوا مصادر التمويل لكل الجماعات والأحزاب والمؤسسات فى مصر، لكننا نلاحظ أن المجلس العسكرى يراقب التمويل الخارجى من ناحية واحدة. إن الإخوان المسلمين وأعضاء الأحزاب السلفية ينفقون يومياً ملايين الجنيهات فى الدعاية الانتخابية.. أليس من حق الشعب المصرى أن يعرف من أين يأتى الإخوان والسلفيون بكل هذه الأموال..؟ هل اتخذ المجلس العسكرى أى إجراء لكشف مصادر تمويل الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية..؟ لماذا لا يخضع المجلس العسكرى ميزانياتهم لرقابة الدولة..؟ هل يتمتعون بمكانة خاصة لدى المجلس العسكرى تمنعه من محاسبتهم..؟
رابعاً: ماذا فعل المجلس العسكرى من أجل اجتياز الأزمات..؟!
مصر الآن تمر بأزمات عديدة بدءاً من الانفلات الأمنى وحتى الأزمة الاقتصادية وركود السياحة. معظم هذه الأزمات مفتعلة ينفذها المسؤولون المنتمون إلى النظام القديم الذين أبقاهم المجلس العسكرى فى مناصبهم.. المشكلة الكبرى تتمثل فى الانفلات الأمنى: آلاف البلطجية والمساجين الجنائيين الذين أطلقهم نظام مبارك يعيثون فساداً فى كل مكان. الشرطة المصرية غائبة لأن قادتها ينتمون إلى نظام مبارك ويتقاعسون عن حماية المصريين ليعاقبوهم على ثورتهم.. وزير الداخلية لا يستطيع السيطرة على وزارته. يكفى أنه أكد أن القناصة الذين قتلوا الشهداء لا ينتمون إلى جهاز الشرطة ثم خرجت وثائق تؤكد وجود قناصة الشرطة فى إدارات عديدة.. لماذا لم يقم المجلس العسكرى بإقالة وزير الداخلية وإعادة هيكلة جهاز الشرطة بطريقة تؤدى إلى الدفع بضباط شرفاء محترمين إلى المناصب القيادية حتى يتمكنوا من استعادة الأمن للمصريين..؟! لماذا لا تتدخل الشرطة العسكرية لحماية المصريين من اعتداءات البلطجية..؟! إن الشرطة العسكرية تتدخل بقوة فى حالتين اثنتين فقط: إما من أجل قمع الثوار، وإما من أجل إنقاذ أحد مسؤولى النظام السابق إذا حاصره المتظاهرون.. هل فعل المجلس العسكرى ما يجب عليه من أجل استعادة الأمن فى مصر؟! أظن الإجابة واضحة.
لقد أدت سياسات المجلس العسكرى إلى إحباط المصريين وضاعفت من معاناتهم، كما أنها أعطت فرصة ذهبية لفلول نظام مبارك من أجل احتواء الثورة وتفريغها من طاقتها ومنعها من تحقيق أهدافها... إن الثورة المصرية تمر الآن بلحظة حرجة يحاول فيها نظام مبارك بمساعدة المجلس العسكرى أن يعيد إنتاج نفسه بشكل جديد. هناك توقعات جادة بأن تكون الأغلبية فى مجلس الشعب لأعضاء الحزب الوطنى.. لن نسمح أبداً بهذا المهزلة. لقد قدم الشعب المصرى ألف شهيد وألف مفقود (تم قتلهم غالباً ودفنهم فى أماكن مجهولة) و1400 إنسان فقدوا عيونهم إلى الأبد وعشرة آلاف مصاب.. بعد هذه التضحيات الجسيمة لن نقبل أبداً بأن يسيطر فلول النظام البائد على مجلس الشعب ويكتبوا بأنفسهم دستور الثورة التى قامت أساساً ضد فسادهم وظلمهم.
..إن دم الشهداء أمانة فى أعناقنا جميعاً لن نؤديها إلا إذا دافعنا عن الثورة حتى تحقق أهدافها وتبدأ مصر المستقبل بعيداً عن أشباح الماضى وفلول النظام الفاسد.
«الديمقراطية هى الحل»
ــ «توجد ضغوط أدت إلى إلغاء الحلقة، أما أنا فقد قررت إيقاف البرنامج.. أنا لا أحتكم فى عملى إلا لضميرى ولن أقبل أبداً أن أعمل وفقاً لتعليمات أى جهة مهما كانت».
فى حياتى قابلت أشخاصاً قليلين فى مثل شجاعة يسرى فودة واستقامته الأخلاقية. إن موقفه الرائع ضد ضغوط المجلس العسكرى يقدم نموذجاً للإعلامى الشريف الذى لا يتنازل عن مبادئه أبداً مهما كانت المكاسب أو التهديدات.. يبدو أن المجلس العسكرى صار يضيق بالنقد مهما كان جاداً ومخلصاً. لقد بدأت حملة شرسة شاملة ضد حرية التعبير فى مصر: قبل إلغاء حلقة يسرى فودة قامت الشرطة العسكرية باعتداءات عنيفة ضد قناة 25 يناير وقناة الحرة وقناة الجزيرة مباشر مصر، بالإضافة إلى حذف موضوعات صحفية بعينها من بعض الصحف لأنها لا تعجب المجلس العسكرى... نحن نحترم القوات المسلحة كمؤسسة وطنية نعتز بها جميعاً، لكن المجلس العسكرى يجمع سلطتى رئيس الجمهورية والبرلمان أثناء الفترة الانتقالية وبالتالى من حقنا بل من واجبنا أن ننتقد قراراته السياسية. حتى تتضح صورة ما يحدث فى مصر يجب أن نجيب عن الأسئلة التالية:
أولاً: ما علاقة المجلس العسكرى بالثورة..؟
إن المجلس العسكرى لم يشترك فى الثورة ولم يدع إليها لكنه وجد نفسه أثناء الثورة فى لحظة تاريخية فاتخذ قراراً بعدم إطلاق النار على المتظاهرين. كان هذا القرار حكيماً ووطنياً مما أكسب المجلس العسكرى ثقة الثورة، وبالتالى ما إن تنحى مبارك عن الحكم حتى عاد ملايين المتظاهرين إلى بيوتهم وكلهم ثقة بأن المجلس العسكرى قد صار وكيل الثورة الذى سينفذ أهدافها جميعاً. المعروف أن الوكيل ليس من حقه أن يتصرف بعيداً عن إرادة موكله، لكن المجلس العسكرى تحول من وكيل للثورة إلى سلطة تفرض إرادتها على الثورة. النتيجة أن الثورة المصرية تعثرت وتعطلت. إن كل ما حدث فى أعقاب الثورة المصرية يعكس محاولات مستميتة من المجلس العسكرى من أجل مقاومة التغيير والمحافظة على نظام مبارك... أرادت الثورة دستوراً جديداً فرفض المجلس وقام باستفتاء على تعديلات محدودة فى دستور 71، ثم قام بإلغاء نتيجة الاستفتاء وأعلن دستوراً مؤقتاً احتفظ فيه بمجلس الشورى ونسبة 50% عمال وفلاحين، وقرر أن يكون النظام رئاسياً. أى أن المجلس العسكرى حدد شكل الدولة المقبل كما يريد دون استشارة المصريين وبعيداً عن إرادتهم. طالبت الثورة بحل المجالس المحلية وإغلاق الحزب الوطنى فرفض المجلس العسكرى وانتظر شهوراً طويلة حتى صدرت أحكام قضائية نهائية بالحل والإغلاق. استبقى المجلس العسكرى المسؤولين المنتمين إلى عصر مبارك فى كل مواقع الدولة.. طالبت الثورة بالعزل السياسى لأعضاء الحزب الوطنى الذين أفسدوا الحياة السياسية فى مصر حتى لا يفسدوها من جديد، لكن المجلس العسكرى ظل يدرس الأمر ولم يفعل شيئاً حتى تمكن فلول نظام مبارك من الترشح لمجلس الشعب.
ثانياً: هل حافظ المجلس العسكرى على كرامة المصريين..؟!
لقد قامت هذه الثورة من أجل الكرامة. كنا نحلم بأن يعامل أبسط مواطن فى مصر كإنسان له حقوق وكرامة.. لقد طالبت الثورة بإلغاء جهاز أمن الدولة حيث تم تعذيب المصريين وإهدار كرامتهم على مدى عقود، لكن المجلس العسكرى أصر على الاحتفاظ بهذا الجهاز الرهيب بعد تغيير اسمه إلى جهاز الأمن الوطنى.. لا يحتاج المرء إلى ذكاء كبير ليدرك أن جهاز أمن الدولة يقف وراء معظم الأزمات التى تحدث فى مصر بدءاً من الفتن الطائفية وحتى البلطجة والانفلات الأمنى.. ضباط أمن الدولة ينتمون فكراً وعملاً إلى نظام مبارك وهم سيفعلون كل ما يستطيعونه من أجل منع التغيير الذى سيؤدى قطعاً إلى محاكمتهم على الجرائم الكثيرة التى ارتكبوها فى حق المصريين وهم يملكون أدوات التخريب كاملة: معلومات دقيقة وعملاء مندسون فى كل مكان وأموال وفيرة يحصلون عليها من فلول نظام مبارك. لم يكتف المجلس العسكرى بالإبقاء على أمن الدولة بل أضاف إليه جهازا قمعياً جديداً: الشرطة العسكرية... فى شهور قليلة ارتكب أفراد الشرطة العسكرية ضد المصريين جرائم بشعة لم يحاسبهم أحد عليها: ضرب المواطنين وتعذيبهم وصعقهم بالكهرباء وهتك أعراض بنات مصر وتصويرهن عاريات بدعوى إجراء كشف العذرية، وأخيراً دهس المتظاهرين بمدرعة عسكرية فى مذبحة ماسبيرو.. فى أعقاب كل واحدة من هذه الجرائم كان المجلس العسكرى يعلن عن فتح تحقيقات لم نعرف نتائجها أبداً.أليس من حقنا أن نطالب بجهة تحقيق محايدة فى مذبحة ماسبيرو التى راح ضحيتها 27 مواطناً مصرياً..؟!
ثالثاً: هل يطبق المجلس العسكرى سياسة واحدة على الجميع..؟!
منذ البداية اقترب المجلس العسكرى كثيراً من جماعات الإسلام السياسى، ومن ناحية أخرى ـ جرياً على عادتهم التاريخية ـ قدم الإخوان المسلمون مصالحهم الحزبية على أهداف الثورة: بعد أن كانوا يطالبون بدستور جديد قبلوا تعديلات المجلس العسكرى وانحازوا إلى كل ما يفعله وصاروا بمثابة الجناح السياسى له حتى إن جريدة «المصرى اليوم» نشرت منذ أيام أن الإخوان فى حملاتهم الانتخابية يقومون بتوزيع اللحوم المدعمة من ميزانية الجيش. هذه المعايير المزدوجة امتدت إلى إجراءات القانون.. لقد تمت محاكمة 12 ألف مدنى أمام المحاكم العسكرية وهم يقضون الآن أحكاماً بالحبس. إن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية انتهاك لحقوقهم الإنسانية والقانونية وللمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر.. إن المجلس العسكرى يطبق المحاكمات العسكرية على مواطنين دون غيرهم. فالذين أحرقوا الكنائس وهدموا الأضرحة والذين قطعوا خط قطار الصعيد فى قنا لمدة أسبوعين ـ لم تقبض عليهم الشرطة العسكرية ولم تحقق معهم بالرغم من ظهورهم بالصوت والصورة فى فيديوهات كثيرة. فى الوقت نفسه كان الشاب على الحلبى، عضو حركة 6 أبريل، يرسم على الحائط ليدعو المواطنين إلى عدم انتخاب فلول نظام مبارك، فألقت الشرطة العسكرية القبض عليه وأحالته إلى النيابة العسكرية التى أمرت بحبسه فى السجن الحربى. تقدم الأستاذ جمال عيد المحامى وبعض زملائه إلى النائب العام ببلاغ ضد وزير الإعلام أسامة هيكل يتهمونه بالتحريض الطائفى ضد الأقباط فى التليفزيون الرسمى أثناء مذبحة ماسبيرو فإذا بالنائب العام يحيل البلاغ إلى القضاء العسكرى. هكذا يقرر المجلس العسكرى محاكمة المصريين عسكرياً أو مدنياً وفقاً لرغبته المطلقة. مثال آخر على المعايير المزدوجة: لقد قرر المجلس العسكرى مراقبة التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، وهذه خطوة صحيحة وواجبة. من حق المصريين أن يعرفوا مصادر التمويل لكل الجماعات والأحزاب والمؤسسات فى مصر، لكننا نلاحظ أن المجلس العسكرى يراقب التمويل الخارجى من ناحية واحدة. إن الإخوان المسلمين وأعضاء الأحزاب السلفية ينفقون يومياً ملايين الجنيهات فى الدعاية الانتخابية.. أليس من حق الشعب المصرى أن يعرف من أين يأتى الإخوان والسلفيون بكل هذه الأموال..؟ هل اتخذ المجلس العسكرى أى إجراء لكشف مصادر تمويل الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية..؟ لماذا لا يخضع المجلس العسكرى ميزانياتهم لرقابة الدولة..؟ هل يتمتعون بمكانة خاصة لدى المجلس العسكرى تمنعه من محاسبتهم..؟
رابعاً: ماذا فعل المجلس العسكرى من أجل اجتياز الأزمات..؟!
مصر الآن تمر بأزمات عديدة بدءاً من الانفلات الأمنى وحتى الأزمة الاقتصادية وركود السياحة. معظم هذه الأزمات مفتعلة ينفذها المسؤولون المنتمون إلى النظام القديم الذين أبقاهم المجلس العسكرى فى مناصبهم.. المشكلة الكبرى تتمثل فى الانفلات الأمنى: آلاف البلطجية والمساجين الجنائيين الذين أطلقهم نظام مبارك يعيثون فساداً فى كل مكان. الشرطة المصرية غائبة لأن قادتها ينتمون إلى نظام مبارك ويتقاعسون عن حماية المصريين ليعاقبوهم على ثورتهم.. وزير الداخلية لا يستطيع السيطرة على وزارته. يكفى أنه أكد أن القناصة الذين قتلوا الشهداء لا ينتمون إلى جهاز الشرطة ثم خرجت وثائق تؤكد وجود قناصة الشرطة فى إدارات عديدة.. لماذا لم يقم المجلس العسكرى بإقالة وزير الداخلية وإعادة هيكلة جهاز الشرطة بطريقة تؤدى إلى الدفع بضباط شرفاء محترمين إلى المناصب القيادية حتى يتمكنوا من استعادة الأمن للمصريين..؟! لماذا لا تتدخل الشرطة العسكرية لحماية المصريين من اعتداءات البلطجية..؟! إن الشرطة العسكرية تتدخل بقوة فى حالتين اثنتين فقط: إما من أجل قمع الثوار، وإما من أجل إنقاذ أحد مسؤولى النظام السابق إذا حاصره المتظاهرون.. هل فعل المجلس العسكرى ما يجب عليه من أجل استعادة الأمن فى مصر؟! أظن الإجابة واضحة.
لقد أدت سياسات المجلس العسكرى إلى إحباط المصريين وضاعفت من معاناتهم، كما أنها أعطت فرصة ذهبية لفلول نظام مبارك من أجل احتواء الثورة وتفريغها من طاقتها ومنعها من تحقيق أهدافها... إن الثورة المصرية تمر الآن بلحظة حرجة يحاول فيها نظام مبارك بمساعدة المجلس العسكرى أن يعيد إنتاج نفسه بشكل جديد. هناك توقعات جادة بأن تكون الأغلبية فى مجلس الشعب لأعضاء الحزب الوطنى.. لن نسمح أبداً بهذا المهزلة. لقد قدم الشعب المصرى ألف شهيد وألف مفقود (تم قتلهم غالباً ودفنهم فى أماكن مجهولة) و1400 إنسان فقدوا عيونهم إلى الأبد وعشرة آلاف مصاب.. بعد هذه التضحيات الجسيمة لن نقبل أبداً بأن يسيطر فلول النظام البائد على مجلس الشعب ويكتبوا بأنفسهم دستور الثورة التى قامت أساساً ضد فسادهم وظلمهم.
..إن دم الشهداء أمانة فى أعناقنا جميعاً لن نؤديها إلا إذا دافعنا عن الثورة حتى تحقق أهدافها وتبدأ مصر المستقبل بعيداً عن أشباح الماضى وفلول النظام الفاسد.
«الديمقراطية هى الحل»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق