الجمعة، 21 سبتمبر 2012

قيادي جهادي: لا نريد وزيرستان جديدة في سيناء


 (حوار)
علي عبدالعال



قالت شخصية جهادية وثيقة الصلة بالتنظيمات الإسلامية المسلحة في سيناء: إن سلاح الجهاديين موجه فقط لإسرائيل، وأنهم لا يريدون معارك جانبية مع أحد، مؤكدا أن فلسطين قضية مركزية في الفكر الجهادى وإسرائيل هي الهدف الثابت لسلاحهم.



ونفى في مقابلة خاصة أي رغبة للجهاديين في الدخول في صدام مع الجيش المصري، مشيرا إلى أن الحركة الإسلامية وهي في أوج الصراع العسكري مع نظام مبارك في التسعينيات لم يحدث أن تكون استهدفت الجيش.



وأعتبر الجهادي المصري اشتباكات الجهاديين دفاع شرعي عن النفس لا يقومون به إلا للضرورة، معتقدا أن الجيش ينفذ عقابا جماعيا في سيناء والدليل على ذلك وجود جثث متفحمة لمدنيين تم استهدافهم لمجرد الاشتباه. كما أنه حتى هذه اللحظة لم تثبت جهة حكومية أو غير حكومية هوية منفذي عملية رفح.



وفيما يتعلق بموقفهم من الرئيس الإسلامي الحاكم في البلاد، قال إن كون الدكتور مرسي ذو ميول إسلامية وذو نوايا حسنة تجاه قضايا الإسلام فهذا لا يكفي مادامت الأفعال تخالف الأقوال على الأرض.



وفيما يتعلق بأمد الصراع في حال استمر قال "حازم المصري" أي تنظيم مهما كان بالغا في ضعفه العسكري، وأيا كان انتماؤه الفكري، قادر على خوض حرب طويلة الأمد في سيناء ضد الجيش قد تنتهى بعد عشرين عاما، ولذلك نحذر الجيش من التمادي في الخوض في المستنقع السيناوي لئلا تتكرر تجربة وزيرستان.



موضحا أن جغرافية سيناء أعقد جغرافيا في الشرق الأوسط ربما لا ينافسها في ذلك سوى جغرافية أفغانستان التي لم تنجح جيوش 48 دولة موجودة منذ 11 عاما في القضاء على طالبان فيها.



وفيما يتردد إعلاميا بوصفهم تكفيريين، قال أن الخلط بين التكفيريين والجهاديين هو تضليل متعمد لمحاربة الجهاديين. مضيفا أن الإعلام الحكومي يسمى الجهاديين تكفيريين لأن رجل الشارع بطبيعته يحب مصطلح "الجهاد" ويكره مصطلح التكفير فيعطى بذلك مبررا وغطاءا شعبيا للقوات الحكومية لارتكاب ما شاءت من أفعال تحت غطاء "القضاء على التكفيريين".



فإلى نص الحوار



*ما التنظيمات التي تتبنى الآن قتال قوات الجيش المصري إذ كانت بعض الفصائل في سيناء قالت أنها لا تستهدف الجيش؟



ـ لا توجد أي تنظيمات جهادية أو غير جهادية تتبنى – بصورة معلنة - قتال الجيش المصري لا في سيناء ولا في باقي البلاد... وهذا السؤال هو ناتج عن تصور وجود حرب دائرة في سيناء بين الجيش المصري وفصيل ما يتبنى قتال الجيش.. وهذا الطرح هو ما يروجه الإعلام الحكومي بعد عملية رفح "الغامضة" .. ولكن هذا الطرح مخالف للواقع وللأحداث على الأرض ولشهادات الشهود وللتقارير الصحفية المحايدة.



*ما هي أبرز التنظيمات المسلحة في سيناء، والأفكار التي يتبنوها؟



ـ السلاح في سيناء هو "ثقافة مجتمع" لا يمكن تغييرها على المدى القريب ولا حتى البعيد المنظور.. الأصل في سيناء هو حمل السلاح... الجميع مسلح، لأن الدولة غائبة نتيجة لظروف تاريخية يطول شرحها.. مبارك في عز قوته لم يتمكن من نزع سلاح سيناء أو الصعيد وكان يسلم به كأمر واقع ويحاول أن يوظفه لخدمة نظامه وسياساته.



السلاح في سيناء هو جزء أساسي من معادلة قبلية معقدة، ويلعب دور رمانة الميزان في حفظ توازن القوى بين القبائل المتصارعة على الدوام حول النفوذ والسلطة والأراضي والثروات.



وأنا لا أجد مبررا لدعاوى نزع سلاح سيناء... بل أجد السلاح هناك ضرورة وضمانة هامة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية وعامل كبح لسياستها التوسعية.. سيناء ملاصقة للكيان الصهيوني وقد تركها الجيش للاحتلال الإسرائيلي مرارا قبل ذلك في 56 و 67.



* تزايد الحديث عن جماعات تكفيرية في سيناء، هل تعتقد فعلا بوجود تكفيريين، من هم، وهل لهم تنظيمات ومنظرين؟



ـ الخلط بين التكفيريين والجهاديين هو تضليل متعمد لمحاربة الجهاديين.. وكلام الإعلام الحكومي عن "جماعات تكفيرية في سيناء" هو دعاية "جوبلزية" .. بالفعل هناك تكفيريين في سيناء.. أفراد متناثرون هنا وهناك ليس لهم منظرين ولا كتابات ولا إطار يجمعهم وذلك لطبيعة المنهج الذى ينتهجونه نفسه، بل أقول لك أن التكفيريين في القاهرة أقوى وأنشط وأكثر تنظيما وعددا منهم في سيناء.



الإعلام الحكومي يسمى الجهاديين تكفيريين لأن رجل الشارع بطبيعته يحب مصطلح "الجهاد " ويكره مصطلح "التكفيري" فيعطى بذلك مبررا وغطاءا شعبيا للقوات الحكومية لارتكاب ما شاءت من أفعال تحت غطاء "القضاء على التكفيريين" .. مثل مصطلح "الحرب على الإرهاب" الذى صاغه جورج بوش .. ومصطلح "القضاء على الرجعية " الذى صاغه جمال عبد الناصر للتخلص من أعداءه.



التكفيريين في سيناء يكفرون الجهاديين ويدعمون الجيش وقوى الأمن في الحملة على الجهاديين.. ولهم تصريحات منشورة في هذا الشأن والذى يريد أن يحكم على الجهاديين بأنهم تكفيريين استنادا فقط لأقوال وتهم عدوِّهم يكون قد ظلمهم والبينة على من ادعى !



ولكن يحكم عليهم من كتاباتهم وأدبياتهم وبياناتهم وتصريحات قادتهم وإصداراتهم السمعية والمرئية ولا توجد جماعة ولا تيار إسلامي إلا واتهم بالغلو في التكفير في مرحلة من المراحل.



* على خلفية العمليات التي استهدفت الجيش، هل يمكن أن تقيم لنا قدرة هذه التنظيمات العسكرية، ومدى رغبتهم في استهداف الجيش؟



ـ إذا كنت تقصد عملية رفح فقد نفى تيار السلفية الجهادية مسؤوليته عن الحدث مرارا وتكرارا .. وعلى كل الأحوال لو أجبنا عن النقطة الرئيسية لسؤالك لخلصنا لنتيجة مفزعة ..



وذلك أن أي تنظيم مهما كان بالغا في ضعفه العسكري.. وأيا كان انتماؤه الفكري.. قادر على خوض حرب طويلة الأمد في سيناء ضد الجيش قد تنتهى بعد عشرين عاما.. ولذلك يحذر خبراء عسكريين الجيش المصري من التمادي في الخوض في المستنقع السيناوى لئلا تتكرر تجربة وزيرستان !

الوضع معقد جدا هناك.. ومن يحسب موازين القوى العسكرية بعدد الأفراد فقط أو بكمية السلاح ينظر للموضوع بسطحية بالغة ..

فالعامل القبلي في سيناء متداخل مع العامل الديني، فمثلا إحدى القبائل هي من سلمت ابنها للجهاديين ليذبحوه بعد أن تأكدوا من تعاونه مع الموساد في قتل الناشط الجهادى إبراهيم عويضة .. أقصد أن الناس في سيناء محتقنة نتيجة تراكمات عقود من القهر الحقيقي وقد ينجح الجهاديون فى كسب ولائهم وتعاطفهم .. فعلى الأقل هم أقرب لهم من القوات الحكومية .. وقد تجبرهم ممارسات الجيش الحالية على تأييد الجهاديين مما سيزيد الوضع تعقيدا ففي اشتباكات 16 -9 الأخيرة كان الناس يهتفون للمسلحين !!

-

جغرافية سيناء أعقد جغرافيا في الشرق الأوسط .. ربما لا ينافسها فى ذلك سوى جغرافية أفغانستان حيث لم تنجح جيوش 48 دولة موجودة منذ 11 عاما فى القضاء على طالبان رغم كل ما بذلوه وهو كثير ورغم كل ما يمتلكوه وهو كثير .. بل لدى تقرير أمريكى أن طالبان – تلك الجماعة الفقيرة الضعيفة – تسيطر بالفعل على 60 % من أفغانستان حاليا .. يعنى إذا قررت جماعة ما اللجوء للجبال وخوض حرب طويلة الأمد فلن يتمكن الجيش مهما بذل من جهود فى القضاء عليها قبل عشرين سنة حسب رؤيتى الشخصية وبعد أن يتكبد خسائر حقيقية فادحة .. ونأمل ألا تصل الأمور لهذا المستوى.

-

السلاح متوافر بكثرة فى أيدى الجميع .. وليس سلاحا شخصيا خفيفا فحسب بل سلاح متوسط وثقيل ونوعى، فعلى سبيل المثال في اشتباك 16 – 9 أصاب الجهاديون طائرة مروحية ودمروا مدرعتين أمريكيتين الصنع وفرت من أمامهم حملة بها 30 مدرعة برغم أنهم بوغتوا فى الصباح الباكر ولم يكونوا مستعدين .. نفهم من ذلك أن الجهاديين لديهم رشاشات ثقيلة ومضادات للدروع .. لدى الجهاديين أيضا صواريخ قصيرة المدى .. وقد سبق لهم استخدامها ضد إسرائيل كما رأيناهم يستخدمون ألغاما مضادة للدبابات في إصدارهم المرئي الذى أذاعوه بشأن استهداف أنبوب الغاز الواصل لإسرائيل.



الجيش المصري تم تخريبه على مدار 30 عاما من سياسات التدجين في عهد مبارك فما بالك بحرب عصابات غير متوازية حيث يطارد أشباحا ويتلقى ضرباتهم ولا يراهم .. كما أن الجيش ليس له أى خبرة فى التعامل مع الحركات الإسلامية .. إذ لم يسبق له الدخول معها فى مواجهة إجمالا .. كما لم يسبق للحركة الإسلامية – حتى فى أوج الصراع العسكرى مع نظام مبارك فى التسعينيات – أن استهدفته .. هذا يعقد الأمور بالنسبة للجيش بطبيعة الحال .. إذ تفرض عليه حرب لا يريدها ضد عدو لا يعرف عنه شىء دون هدف واضح من الحرب أو حتى مبرر واضح لها.

-

العامل الأخير الذى يعقد الصراع هو الوضع السياسى والثورى القائم فى مصر والذى يضع سقفا لتحركات الجيش .. فالإعلام يراقب الوضع جيدا .. ونشطاء الثورة قادرين – عند مستوى معين من تجاوزات الجيش – أن يغيروا الرأي العام ضده .. والحكومة الجديدة لا أظنها تريد خوض هذه الحرب العبثية ولا قادرة على دفع تكلفتها.



ونؤكد للمرة الألف : ليس لدى الجهاديين أدنى رغبة فى الدخول فى صدام مع الجيش .. ولم يقوموا بالإشتباك معه سوى مرات معدودة وكانوا فيها مضطرين للدفاع عن أنفسهم .. وحتى هذه الاشتباكات حرصوا على ألا يكبدوا الجيش فيها خسائر وأن يكون الإشتباك قدر الضرورة لدفعه فقط ..



* نريد أن نجلي حقيقة ارتباط التنظيمات الموجودة في سيناء مع تنظيمات غزة



ـ الترابط موجود بالتأكيد عضويا وفكريا .. الجماعات السلفية الجهادية فى سيناء وغزة لا تعترف بالحدود أصلا .. هم يتعاملون مع القضية الفلسطينية من منطلق دينى عقائدى .. حتى قبل سقوط نظام مبارك دعم الجهاديون فى سيناء – عن طريق الأنفاق – غزة بالسلاح والمؤن والمهمات العسكرية .. وآووا بعض المطلوبين لإسرائيل .. ومن ناحية أخرى فقد استفاد جهاديو سيناء بالإمكانيات والخبرات المتاحة فى القطاع فأرسلوا بعض عناصرهم لتلقى التدريب واختبأ هناك بعض المطلوبين ... وحكومة حماس تتعامل معهم بمنطلق براجماتى نفعى .. فإذا تقاطعت مصالحها معهم تركتهم .. وإن أضرت تحركاتهم بها ضربتهم!!



ولذلك استهدف الجيش المصرى الأنفاق المؤدية لغزة وتفاخر فى بيانه الأخير بهدم 31 نفقا !!

الجماعات الجهادية المعلن عنهما حتى الآن فى سيناء لها امتدادها التنظيمي الأكيد فى غزة .. الق نظرة واحدة على بياناتهم لتعرف عن ماذا أتحدث.. والجميع متماهى مع فكر ومنهج القاعدة ومع المشروع الجهادى الأممي.



*هل من مظالم ترون الجيش انتهكها بحق اهل سيناء أو التنظيمات الاسلامية بها



لسنا نحن من نرى ذلك فحسب .. غالب الرموز الثورية والنشطاء الحقوقيون يتحدثون عن انتهاكات .. وتكلم الدكتور وجدى غنيم والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل عن ذلك بصراحة .. كيف لا تتوقع حدوث إنتهاكات وهناك قصف جوى على مناطق مدنية آهلة بالسكان .. لقد وثق الإعلام – العلمانى – هذه الجرائم من اقتحام للبيوت وترويع للآمنين وإعتقال للعجائز ...



وذكر الجهاديون فى بياناتهم طرفا من ذلك أيضا ..ما يحدث فى سيناء هو جريمة متكاملة الأركان ... هناك جثث متفحمة لمدنيين تم استهدافهم لمجرد الاشتباه



وأؤكد أن هذه السياسات ستبوء بالفشل بل ستزيد الأمور اشتعالا وسندخل فى دائرة الثأر المفرغة .. لأن حبيب العادلى جرب كل هذه الأساليب وكانت النتيجة أصفارا كبيرة.



*نريد توضيح للعلاقة بين التنظيمات في سيناء ورجال القبائل خاصة مع الحديث عن توتر في العلاقة وغير ذلك؟



ـ لا يمكن توصيف الأمر على أنه توترات بين تنظيمات جهادية وبين قبائل فى سيناء .. العلاقات فى مجملها طيبة .. لأن الجهاديين ليسوا وافدين على سيناء من الخارج بل هم أبناء هذه القبائل .. هناك خلافات بطبيعة الحال لكنها محصورة فى قطاعات معينة – مع الصوفية المتشددين مثلا أو مع عملاء أمن الدولة والمرشدين – وذلك حتى لا نقع فى فخ التعميم.



والطبيعة البدوية عموما تحترم القوى .. ولذلك يحظى الجهاديين بشعبية وقبول – ليس له نظير فى باقى الدولة – فى سيناء .. وأن كنت لا أنكر حدوث بعض الوقائع الفردية النادرة من وقت لآخر.



* ما الهدف من استهداف جنود الجيش إن كنتم تقرون باستهدافهم ؟



ـ نحن لم نستهدف أصلا جنود الجيش حتى نطالب بتوضيح أهدافنا من استهدافهم ..... هل يصح أن تسأل ألمانيا عن هدفها من قصف هيروشيما بالنووى ؟ سيكون هذا من العبث طبعا

فحتى اللحظة لم تثبت جهة حكومية أو غير حكومية هوية منفذى العملية .. وأصحاب الشأن نفوا صلتهم بها .. قل لى بربك ماذا نفعل ؟ ولماذا وجه الاتهام للجهاديين بالذات بدون تقديم أى دليل مع أن المنطقة التى نفذت فيه عملية رفح فيها أكثر من 15 جهة فاعلة .. بل المفروض والمنطقى أن تكون السلفية الجهادية آخر من يوجه لها هذا الاتهام لـها فهى الجهة الأكثر تضررا من العملية وهب أنهم هم من فعلها فهل هكذا يكون الحل ؟ فماذا كنتم تنقمون على مبارك إذن ؟



*مصر الآن يحكمها رئيس إسلامي واضح جدا مراعاته للشرع والدين فهل لكم مآخذ على الرئيس مرسي، نريد توضيح لموقفكم من الحكم الجديد في مصر؟



ـ اسمح لى أن أختلف معك فى هذه النقطة.. فالتيار الجهادى لا يعترف بشرعية أي حاكم يحكم بغير ما أنزل الله مهما رفع من شعارات أو برر من مبررات .



والسلفية الجهادية هي أكثر الفصائل الإسلامية الموجودة على الساحة اتساقا مع مبادئها وثباتا على مواقفها في هذا الصدد بينما لا بد من أن يقع الآخرون في التناقض على الأقل.



فالدكتور محمد مرسى هو رئيس جمهورية منتخب وفقا للدستور العلماني ... فى ظل نظام ديمقراطى يصنفه الجهاديون على أنه نظام جاهلي طاغوتي.



ليس وليا للأمر ولا أميرا للمؤمنين ولم يصل للحكم بالطرق الشرعية الإسلامية المذكورة فى كتب السياسة الشرعية وإنما تولى الحكم عبر آلية الانتخابات وتحت مظلة الديمقراطية وسيادة القانون المخالف للشرع، هذا هو الواقع .. فلا نريد تسمية الأشياء بغير اسمها .. وحتى هو نفسه لم يدع غير ذلك ولم يكن فى خطاب تنصيبه أي ذكر للإسلام أو تطبيق الشرع الشريف.



كيف يوجد ولى أمر للمسلمين لا يطبق الشريعة فمرسى لا يمكن أن يكون جادا ولا صادقا فى رغبته تطبيق الشريعة بعد أن ربط منهجه بالديمقراطية ومفاهيم المواطنة المخالفة للإسلام.



وكونه ذو ميول إسلامية وذو نوايا حسنة تجاه قضايا الإسلام لا يكفى .. مادامت الأفعال تخالف الأقوال على أرض الواقع .



نحن شبعنا دعاوى جوفاء وشعارات رنانة .. قضية القرض الربوى الأخيرة كشفت مدى صدق الدعاوى الإنتخابية التى أطلقها مرسى حول نيته تطبيق الشريعة .. لقد بلغت الجرأة بعصام العريان أن يصرح أنهم قادرين على إغلاق قناة "التت" – قناة جنسية إباحية – لكنهم لم يفعلوا خشية أن يتهموا بأخونة الدولة !!



المحكات التي سقط فيها مرسى كثيرة ... ولو فهمت أن الترك فعل ستعرف أنه فعل أمورا كثيرة سيئة – هو قادر على تنفيذها فعلا. منذ أسبوعين مثلا كان هناك فى القاهرة مهرجان للرقص الشرقى كان قادرا على منعه بجرة قلم أو بإتصال تليفونى .. لكنه لم يفعل مع أن لديه كل الصلاحيات وبيده كل السلطات وأطاح بالعسكر ، هذا فقط مثال واحد تقيس عليه .. مصانع الخمور الحكومية لازالت تعمل .. الخ



وليس هناك أي بادرة حقيقية علي توجه الحكام الجدد نحو تطبيق الشريعة بمعناها الكامل وأسلمة المجتمع وأى مبررات تريد تقديمها لمرسى فى هذا الصدد أستطيع أن أقدم مثلها لمبارك فى تعطيله الشرع .. وماأسهل المبررات .. وهى لا تنتهى.



وكيف يكون إسلاميا من يعلن التزامه بكامب ديفيد ويسمح للسفن الإيرانية المحملة بالأسلحة بالمرور من قناة السويس لضرب المسلمين فى سوريا.



وعموما خلاف الجهاديين مع حكومة مرسى طويل عريض هو الخلاف بين جماعة الإخوان والتيار الجهادى الذى ألفت فيه مؤلفات مستقلة .. وقد شرح الدكتور أيمن الظواهرى هذا الخلاف بالتفصيل والأدلة الشرعية وسرد عشرات الأمثلة الموثقة من انحرافات جماعة الإخوان فى كتابه "الحصاد المر" ولم يخرج أى رد من الجماعة ومنظريها على هذه الاتهامات حتى اليوم رغم صدور الكتاب من أكثر من 20 عاما .. كما شرح الشيخ أحمد عشوش – المنظر الجهادى البارز – في أكثر من كتاب له أسس الخلاف مع المنهج الإخوانى وبعده عن الشرع ونتائجه الكارثية.



ومن المعروف عن الإخوان أنهم حماعة إقصائية مع مخالفيهم الإسلاميين وليس ببعيد عنك ما تفعله حماس فى غزة من إعتقال عشرات السلفيين لمدد طويلة وما قامت به سابقا فى مجزرة مسجد ابن تيمية

وفى رأيى الشخصى أن السلفية الجهادية هى الممثل الوحيد المتبقى للمشروع الإسلامى الحقيقى – بمعناه الأممى – بعد أن تلاشت الفروق تقريبا بين الجماعات الوطنية وبين الإخوان والسلفيون.



فمرسي تذكر حديث (هدم الكعبة اهون عند الله من دم مسلم) عندما قتل السفير الأمريكى فى ليبيا لكنه لم يتذكر الحديث نفسه حين أمر قام جنوده - فى العملية التى تباهى أنه يقودها بنفسه - بقتل الناس بالشبهة فى سيناء.



* تردد ان هناك استعداد للجهاديين المسلحين للهدنة مع القبائل والجيش ما مدى صحة ذلك؟



ـ هناك نقطة مهمة .. أكررها دائما لأنها أساسية: ليس هناك حرب فى سيناء .. ليس هناك طرفين متصارعين يواجهان بعضهما البعض .. والإشتباكات المتقطعة التى تقع من وقت لآخر لا يقوم بها الجهاديون وحدهم .. فالقبائل مسلحة والعسكر تصرفاتهم غاشمة .. واشتباكات الجهاديين - بعيدا عن تهويلات الإعلام - هى دفاع شرعى عن النفس فقط لا يقومون به إلا للضرورة .. وقد أوضحوا ذلك فى بيانهم الأخير .. ولو قرروا خوض حرب ضد الجيش فلن يتمكن الإعلام من ملاحقة إحصائيات الجثث ونرجو من الله أن لا تتصاعد الأمور لهذا الحد ..



لم يدخل الجهاديون فى صراع مع القبائل حتى تكون هناك هدنة وحادثة إستهداف أحد الزعماء القبليين المتعاونين مع الأمن لم يتبنها الجهاديون ولا زالت غامضة .. ومع كل الأحوال فتظل حادثة فردية لم يترتب عليها شىء حتى الآن .. لكن قناة "العربية" تحب أن تضخم الأحداث التى تتفق مع سياستها ...أما بخصوص الهدنة فالذى تردد فى الإعلام حتى الآن هو زيارة وفد من الشخصيات العامة ذات الماضى الجهادى أو ممن سبق إعتقالهم على خلفية قضايا جهادية لسيناء للتوسط فى هدنة بين الجيش والجهاديين

لكن نهاية هذا التحرك كانت متوقعة وحتمية : الفشل .. لعدم توافر الأسباب الموضوعية لنجاحه ..

-

فالجهاديون فى سيناء لا يثقون بمعظم الشخصيات التى قامت بهذا التحرك نظرا لنبذهم المنهج الجهادى منذ عهد مبارك وتبنيهم المنهج الديمقراطى بعد الثورة .. وهما قضيتان لا يمكن تجاوزهما فى نفسية وتفكير الجهاديين

-

والهدنة تكون بين طرفين .. لا يمكن أن تطالبنى بهدنة وأنت مستمر بقتلى بالشبهة وإعتقالى بدون قانون وترويعى وتهديدى وإقتحام حرمة بيتى .. الجيش استخدم طائرات f16 ودبابات وراجمات صواريخ فى حملته الأخيرة .. هل تفهم ما معنى هذا ؟ نحن نتكلم عن عقابا جماعيا .. مبارك نفسه لم يستخدم الطائرات المقاتلة رغم ضخامة ما حدث فى عهده فى سيناء من أحداث



الخلاصة أن الجيش لم يبد أى إشارة ولا إستعدادا لهذه الهدنة .. بعض الإشارات الإيجابية جاءت من مؤسسة الرئاسة لكنها لم تتحدث عن إيقاف الحملة العسكرية ورفع المظالم وتعويض المتضررين 



وبالرغم من ذلك فإذا توقفت انتهاكات الجيش فى سيناء فأنا متأكد بأن الجهاديين لن يستهدفوه .. فسلاح الجهاديين موجه أساسا لإسرائيل ولا يريد معارك جانبية مع أحد



* هل تخططون او تضعون دوما كهدف لكم شن عمليات عبر الحدود ضد اهداف اسرائيلية؟



هذا مؤكد .. فلسطين قضية مركزية فى الفكر الجهادى وإسرائيل هى الهدف الثابت لسلاح الجهاديين .. لا يملك أحد ولا يحق لأحد وقف العمليات ضد الكيان الغاصب المجرم وهى عمليات مجدية وليست عمليات عبثية كما يروج الإعلام الحكومى ويكفيك أن تعرف أن إسرائيل خسرت خلال النصف الأول من هذا العام 1,68 مليار شيكل بسبب قطع إمدادات الغاز المصرية ..



طلب الجهاديين الوحيد: اتركوهم يقاتلون الصهاينة .. دعوهم وشأنهم .. والمقاومة ليست حصرية للدولة مادامت من منطلقات شرعية صحيحة وما دامت ضد عدو حقيقى .. أم أن الصهاينة ليسوا أعداءكم وتتظاهرون بغير ذلك.



* كيف يمكن انهاء حالة الاشتباك او التوتر القائمة حاليا - ما هي شروطكم او مطالبكم لذلك



ـ هذا السؤال ينبغى أن يوجه لمن تسبب فى حالة الإشتباك والتوتر القائمة .. وهو الجيش وهو الطرف الذى يملك إنهاء هذه الحالة لأنه الطرف الفاعل فى هذه القضية.



الجيش يريد القضاء على أى وجود معاد للصهاينة فى سيناء باستمراره فى هذه العملية .. وإسرائيل مرحبة بالأمر وتقدم تسهيلات غير مسبوقة لإنجاح العملية فهى المستفيد المباشر منها حتى أن هآرتس ذكرت أن التنسيق المصرى الإسرائيلى فى سيناء هو الأفضل منذ عقود



والسلفية الجهادية نفت مسؤوليتها عن حادث رفح – الذى هو السبب المباشر فى إندلاع الأحداث – وتورعت حتى اللحظة عن الإستجابة لإستفزازات الجيش المتوالية والتى وصلت أحيانا لحد القتل !



إذا كانت عملية رفح خطأ فعملية نسر خطأ أيضا والخطأ لا يعالج بالخطأ .. وإذا حدثت عملية "إرهابية" فى منطقتك فلن تكون سعيدا إذا تم قصفها بالطائرات الحربية تحت دعوى "مكافحة الإرهاب"

الخميس، 20 سبتمبر 2012

لماذا نرفض قانون الإخوان للنقابات ?




في الوقت الذي تمارس فيه السلطة القمع ضد زملائنا المعتصمين والمضربين، لدرجة اعتقال النقابيين بهيئة النقل العام، والتشجير بتهمة التحريض علي الإضراب، وتقديم النقابيين بالضيافة الجوية، وبشركة تجارة الجملة للنيابة بنفس التهم، وسحل العاملات في التشجير لفض اعتصامهم بالقوة أمام وزارة الزراعة، والفصل بالجملة للنقابيين، لدرجة فصل مجالس إدارات نقابات مستقلة بالكامل، وفي الوقت الذي تتعسف الحكومة معنا ومع زملائنا كذلك في عدم تنفيذ المطالب حتي التي سبق وتم توقيع اتفاقات علي تنفيذها، وفي الوقت الذي تصدر فيه قوانين تجريم الاعتصامات والإضرابات، وتمتنع عن إصدار قانون الحريات النقابية، فتارة نسمع أنهم سوف يجرون تعديلات علي قانون 35 لسنة 1976، وتارة نسمع عن القانون المشوه الذي كان يعد في لجنة القوي العاملة بمجلس الشعب قبل حله، لذا رأينا أنه من المفيد أن نوضح لماذا لا نريد قانون 35، ولا نريد قانون الإخوان (المعد بلجنة القوي العاملة)، ونريد قانون الحريات النقابية، وما الفرق بينهم:
1- قانون الحريات النقابية شمل حق كل الناس في التنظيم، العمال والفلاحين والمهنيين والصيادين وخادمات المنازل والمؤقتين والموسميين. قانون الإخوان حرم زملائنا العاملين المدنيين في الشرطة والجيش من حقهم في أنهم يعملوا نقابات تدافع عنهم رغم أنهم هما أحوج الناس للنقابات، وكأنهم بيجاملوا جنرالات الجيش والشرطة بأنهم يسلموهم العاملين المدنيين يعملوا فيهم اللي هما عاوزينه، كمان خرج المهنيين، يعني المعلمين اللي عاملين نقابات مستقلة دلوقتي وهي اللي بتقود الإضرابات للدفاع عن حق المعلمين في حين أن النقابة الحكومية بتدين الاضراب، بعد القانون مش هيعترفوا بيها، ولا حق المهندسين ولا الأطباء، ولا الصحفيين ولا المحامين، وده لأن الإخوان مسيطرين علي النقابات المهنية، فمش عاوزين منافس ليهم، نفس موقفهم من أتحاد العمال والنقابات المستقلة.
2- هم مصرين في المشروع بتاعهم علي الشكل الهرمي (نقابات المنشأة-النقابة العامة-الاتحاد العام)، وأن كل السلطة تبقي في أيد الإتحاد العام اللي الحكومة والأمن يقدروا يجيبوهم ويبقوا بتوعهم، وما يبقاش فيه صلاحيات للنقابات في المصانع والإدارات، ودا ورد بالنص في م8 في قانونهم (البنيان النقابي يقوم على أساس الحرية النقابية للتنظيمات النقابية مع مراعاة أن تكون الاتحادات العامة علي المستوي الوطني هي قمة البنيان النقابي) إحنا عاوزين النقابات في القواعد يبقي لها كل السلطات ودا اللي في قانون الحريات، تتفاوض وتقرر هي الإضراب وتبقي الاشتراكات بتاعتها، وهي اللي تدي للاتحاد اللي بتنضم ليه بحرية نسبته، مش العكس زي دلوقتي،... علشان دول اللي العمال بيجيبوهم ويقدروا يشيلوهم ويجيبوا غيرهم.
3- هما شالوا من قانون الحريات النقابية المادة الخاصة بأن العامل اللي يخرج من النقابة اللي كان فيها علشان يدخل في نقابة تانية حقوقه في الصناديق ما تتأثرشي، علشان يجبروا العمال يفضلوا في النقابات التابعة للاتحاد العام.
4- هما في مشروعهم بيدوا الحق لصاحب العمل أنه يمنعنا أننا نمارس نشاطنا ونعمل انتخاباتنا بنص م 30 من قانونهم، اللي لأنهم بيحطوا في أخر الحقين دول بما لا يؤثر علي سير العمل بالمنشأة، طيب ما هو صاحب الشغل مش عايزنا وبالتالي طول الوقت علشان يمنعنا من أننا ننتخب أو نمارس نشاط هيقول أنه بيأثر علي سير العمل .
5- قانون الإخوان بيدبح النقابيين في باب العقوبات  في م 39 لما بيغرمهم عشرة آلاف جنيه لو أدلوا بمعلومات غير حقيقية (يعني مثلا ممكن تبقي وديت الوزراة ورق بأن عدد أعضاء نقابتك 300، وأنضم ناس أو خرج ناس ولسه ما أخطرتهمشي بده) فتقع تحت طائلة هذه المادة، في الوقت اللي صاحب العمل طبقاً لنص م 40 لو فصلك علشان دخلت نقابة، أو منعك أنك تعمل اجتماعات النقابة، أو منعك أنك تعمل انتخابات النقابة، أو فصل عضو مجلس أدارة النقابة قبل ما يروح للمحكمة ،.....يدفع غرامة بس لا تقل عن 1000 جنيه ولا تزيد عن 5 آلاف جنيه.
6- هم في قانونهم عاوزين يقصروا الحماية النقابية علي أعضاء مجالس إدارات النقابات، والعمال الذي يختارهم زملائهم لتمثيلهم بشرط أن لا يكون لديهم نقابة م1، إحنا عاوزين طول الوقت العمال لو اختاروا حد يمثلهم في التفاوض وغيره حتي لو اختاروا حد مش من النقابة والنقابة موجودة يبقي محمي طالما دي إرادة العمال، كمان في م 32 هما عايزين يقصروا تجريم صاحب العمل علي فصل عضو مجلس الإدارة فقط، واحنا عاوزين ممثل العمال اللي بيختاروه علشان يمثلهم ويتفاوض باسمهم نحميه فيبقي هوه كمان بتنطبق عليه نص المادة اللي بتجرم صاحب العمل لو فصله.
7- هما حطوا في م 8 نفس قواعد التفرغ اللي في القانون 35، بس عاوزين يقصروه علي ناس بعينها (ولا يكون التفرغ إلا للمنظمات النقابية الأكثر عدداً)، ولأنه في المستقبل إحنا عاوزين حرية نقابية بجد، فلو نقابة اتحاد العمال أو حتي النقابة المستقلة بطلت تعبر عن العمال والعمال قرروا أنهم يعملوا نقابة تانية هتبدأ أقل عددا فهيكون فيه تمييز ضدها من الأول، علشان كده إحنا مش عاوزين تمييز.
8- هما عاوزين يرجعوا يدخلوا وزارة القوي العاملة تاني في شئون النقابات، وإحنا عاوزين نقلص دورها لأقل قدر ممكن لأننا كلنا عارفين لما كانت وزارة القوي العاملة هي اللي بتتدخل في كل حاجة الانتخابات، والتفتيش،....شفنا إزاي كانت بتزور الانتخابات لصالح الناس اللي الحكومة والأمن عاوزيهم وتسقط كل النقابيين الشرفاء، وطبعاً فيه أحكام قضائية كثير في ده.
في النهاية إحنا عاوزين قانون حريات يخلينا نبني نقاباتنا صح، يخلي الجمعية العمومية يبقي ليها السلطة العليا تقدر تحاسب اللي انتخبتهم وتسقطهم لما يخونوها وتجيب غيرهم، عاوزين قانون يحمي النقابيين في كل النقابات علشان يقدروا يقفوا ويطالبوا بحقوق زملائهم، من غير ما يبقوا بيتفصلوا ويتحبسوا، ويتخصم لهم، ويتنقلوا زي ما بيحصل دلوقتي.
حملة الحريات النقابية.. طريقنا للعدالة الاجتماعية
القوى المشاركة في الحملة:
الاتحاد المصري للنقابات المستقلة بكل نقاباته، والمؤتمر لدائم لعمال الأسكندرية، تحالف العاملين بالأدوية، جبهة المفصولين، وعمال من شركات (شركة غزل المحلة - هيئة المطابع الأميرية - شركة سونستا، شويبس - النيل لحليج الأقطان- شركة العامرية للغزل - الشركات التابعة لهيئة قناة السويس- نقابة التشكيليين).
ومن مراكز حقوق الانسان (مركز هشام مبارك للقانون - مركز الحق في التعليم - مركز المرأة الجديدة - المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية - مركز الأرض).
ومن القوي الشبابية والأحزاب (حركة 6 أبريل الجبهة الديمقراطية - الحركة الثورية الاشتراكية يناير-  الاشتراكيون الثوريون- حزب العمال تحت التأسيس - الحزب الاشتراكي المصري تحت التأسيس - الحزب الشيوعي المصري تحت التأسيس - حزب مصر الحرية تحت التأسيس - حزب الكرامة - حزب التحالف الشعبي الاشتراكي- حزب الدستور- اتحاد الشباب الاشتراكي)
المصدر :
الإشتراكيون الثوريون .

السبت، 15 سبتمبر 2012

البطل انور عطية


البطل الحقيقى لعملية الحفار 

في نهاية عام 1969 … وفي ذروة الصراع العربي الإحتلال الصهيوني وبعد عامين من نكسة 1967، أعلن الكيان الصهيوني عن عزمة علي التنقيب عن البترول في سيناء، وقامت بالفعل باستئجار حفار أمريكي ليقوم بالتنقيب عن البترول في خليج السويس تحت سمع وأبصار المصريين وبدا واضحاً للجميع أن الغرض من شراء هذا الحفار اقتصاديا وسياسياً في ذات الوقت،، فالصهاينة كانوا في حاجة بالفعل إلي البترول
 في تلك الأيام، بالإضافة لذلك فهذا الحفار سيدعم خططها في محاولات إذلال مصر وإظهارها أمام العالم بمظهر العاجز عن حماية أرضه وموارده الطبيعية، والضغط علي مصر من ناحية أخري للتخلي عن دورها الريادي في مناصرة القضية الفلسطينية ووصلت المعلومات إلي المخابرات الحربية بوجود حفار بالفعل واسمه كينتنج 1 وأنه يعبر المحيط الأطلنطي في طريقه للساحل الغربي لأفريقيا ليتوقف في أحد موانيها للتزود بالوقود ثم اتخاذ طريقه إلي الجنوب ليدور حول القارة الأفريقية ويتجه إلي البحر الأحمر ثم إلي خليج السويس.
وكان القرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتدمير الحفار قبل وصوله إلي خليج السويس أيا كان الثمن وبأية وسيلة. وكان لابد من التحرك الفوري لمعرفة الميناء الذي سيتجه إليها الحفار للعثور عليه وتدميره. وكانت المشكلة أن تدمير الحفار سيثير أزمات سياسية مع أكثر من دولة فالحفار قامت ببناؤه شركة إنجليزية، وتملكه شركة أمريكية، ومؤجر للكيان الصهيوني، وتقوم بسحبه في مياه المحيط قاطرة هولندية والمفروض أن يتم تدميره في ميناء أفريقي !! أي أن إسرائيل خططت لكي يكون الحفار إنجليزي أمريكي هولندي بالإضافة للكيان المحتل !! ولكن كان 

القرار قد اتخذ بالفعل وكان لابد من تدمير الحفار .

عملية تدمير الحفار كانت من أروع وأعظم العمليات التي تمت من خلال سيمفونية رائعة الجمال تم عزفها بتناغم وانسجام جميل بين كل من المخابرات العامة والمخابرات الحربية والقوات البحرية ووزارة الخارجية، عملية متكاملة أدي فيها كل شخص دوره علي أكمل وأجمل ما يكون.
وبعد 28 عاماً كاملة نفتح ملفات عملية الحفار وقد يكون الاستماع إلي الأحداث أو قراءتها في كتبا أو مشاهدتها في فيلم شئ، ومعرفة البطل الحقيقي والاستماع منه إلي قصة بطولته وجهاً لوجه شئ آخر.

مع البطل الحقيقي .

قائد عملية الحفار كان هذا اللقاء ليتحدث البطل لأول مرة بعد 28 عاماً. وكانت البداية حينما عاد العقيد متقاعد أنور عطية قائد عملية تدمير الحفار الإسرائيلي كينتنج 1 بذاكرته 29 عاماً إلي الوراء وبالتحديد لنهاية عام 1969 وبدأ يحكي

في البداية كيف تم اختيارك للقيام بالمهمة ؟؟

في نهاية عام 1969 كنت رائداً بالمخابرات الحربية ومسئولاً عن البحرية الإسرائيلية في فرع المعلومات في المخابرات الحربية، ووصلت لي معلومة أن إسرائيل قامت باستئجار حفار بترول من شركة أمريكية ليقوم بالتنقيب عن البترول المصري في خليج السويس وأن هذا الحفار يعبر المحيط الأطلنطي في طريقه إلي الساحل الغربي لأفريقيا وبدأت أتتبع أخبار هذا الحفار حتي علمت أنه قد رسا بميناء "دكار" بالسنغال وأن هذا الحفار تقوم بسحبه قاطرة هولندية، وعلي الفور أبلغت اللواء محرز .. مدير المخبرات الحربية وقتها والذي ابلغني بأن أذهب لإلقاء محاضرة عن الحفارات البحرية في هيئة الخدمة السرية بالمخابرات العامة وحينما ذهبت اكتشفت أنها لم تكن محاضرة ولكنه كان اجتماعاً علي أعلي درجة من السرية وكان يضم رئيس هيئة الخدمة السرية في المخابرات العامة ورئيس هيئة المعلومات والتقديرات وأحد ضباط المخابرات الحربية وكان متخصصاً في أعمال النسف والتدمير وبعد التعارف بدأ رئيس هيئة المعلومات والتقديرات في افتتاح الاجتماع وقال تقرر التعامل مع الحفار كينتنج 1 الموجود في دكار وسألني رئيس هيئة الخدمة السرية ما هي خطة المخابرات الحربية فقلت له إني غير جاهز بالخطة الآن وأن لي تحفظاً علي تدمير الحفار في هذا لوقت وهذا المكان (وكنا وقتها في شهر يناير 1970) وشرحت له وجهة نظري وهي أننا سنستكمل دفاعنا الجوي في شهر مارس عام 1970 وأننا حالياً غير قادرين علي استيعاب رد فعل إسرائيل للتصعيد البترولي كما أننا في غني عن استعداء دول أخري مثال السنغال وهولندا مالكة القاطرة. فقال لي رئيس هيئة المعلومات أن تدمير الحفار قد تقرر علي المستوي الأعلي ومطلوب خطة المخابرات الحربية لتدميره فرجعت لإدارتي وقابلت مدير المخابرات الحربية ورويت له ما حدث ووافقني علي ما قلته وبدأت بعدها في التخطيط لعملية التدمير.

خمس خطط لتدمير الحفار :

يستطرد العقيد أنور عطية قائلاً : كان لابد من وضع عدد من الخطط لتدمير الحفار لكي نضمن نجاح العملية فإذا فشلت خطة انتقلنا للخطة التالية، وعند وضع الخطط كان الله معي في كل خطوة والخطط كانت تعتمد علي التعاون والتنسيق الكامل بين المخابرات الحربية والمخابرات العامة والضفادع البشرية ووزارة الخارجية.
وكانت الخطة الأولي هي أن يتم اختيار مجموعة من الضفادع البشرية ونستعين بألغام قامت بتطويرها القوات البحرية المصرية بإضافة ساعة توقيت لها علي أن تسافر مجموعة التنفيذ تحت سواتر مختلفة وكل فرد فيها يسافر بصفة تختلف عن الآخر ونتسلل إلي الميناء الموجود به الحفار ونضع الألغام تحت جسم الحفار لتفجيره والخطة كانت تعتبر بدائية حداً وساذجة ولكنها هي التي نفذت.
وقمت بوضع ثلاث خطط أخري بديلة للخطة الأولي في حالة فشلها. وكانت الخطة الثانية هي القيام باستدعاء أحد سفن الصيد المصرية من أعالي البحار وتضع عليها طاقم الضفادع البشرية والألغام ونتتبع الحفار لاسلكياً في المحيط وحينما ندخل أي ميناء ندخل ورائه ونلغمه وندمره.
حفلة ماجنة في المحيط
وكانت الخطة الثالثة هي أن نستأجر يخت في الميناء الموجود بها الحفار ونقيم حفلة ماجنة فوق اليخت وأثناء الحفلة ينزل أفراد الضفادع لتلغيم الحفار ثم نرحل باليخت. أما الخطة الرابعة فتقرر تنفيذها في حالة هروب الحفار منا وهي أن يتم ضرب الحفار بمدافع (R.P.G)عند دخوله البحر الأحمر وكان لدينا في الصاعقة البحرية والضفادع البشرية أفراد مدربين علي هذه المدافع تدريب عالي جداً وكان المقرر أن تُحمل المدافع علي قوارب الزود ياك.
وأضاف رئيس هيئة المعلومات والتقديرات خطة خامسة وهي أن تخرج طائرة مصرية تتمركز في ميناء عدن ويتم ضرب الحفار بالطيران في حالة هروبه من كل المراحل السابقة.
والمخابرات العامة المصرية في هذه العملية لعبت دوراً عظيماً لا يستطيع أي شخص أن ينكره، وفي كل مراحل العملية كان هذا الدور بارزا ولكني لم أكن أعلم بالطبع عن الخطوات التي قاموا بها إلا علي قدر حاجتي من المعرفة.
وواجهتني في البداية مشكلة أني لم يكن لدي أي معلومة عن الحفارات البحرية ولم يكن لدنيا معلومات متوفرة عن هذه الحفارات وهيكلها وبناؤها فخطرت لي فكرة وقمت بتنفيذها علي الفور فارتديت الزي العسكري وذهبت إلي المهندس علي والي رئيس هيئة البترول في ذلك الوقت وقلت له إني مهندس بحري وأعد رسالة ماجستير عن بناء السفن وينقصني جزء خاص بالحفارات البحرية وليس لدي أي فكرة عنها.

- سبحان الله

كانت هذه هي الكلمة التي رددتها حينما حصلت علي كل المعلومات التي أريدها ليس عن الحفارات البحرية قط بل عن الحفار كينتنج 1 الذي ابحث عنه، والعجيب أن من أمدني بتلك المعلومات هو شخص "أمريكي الجنسية" ‍‍!! فقد اتصل المهندس علي والي وأنا أجلس معه بمديري شركة "إسو" للبترول بالقاهرة وكان أمريكي الجنسية وطلبت منه أن يساعدني فيما أطلبه وذهبت له بالفعل وأدخلني إلي مكتبته فوجدت كتاباً عن كل الحفارات الموجودة بجميع أنحاء العالم ومنها الحفار (كنيتنج 1) بمواصفاته ومقاساته وصورة وبالطبع مل يكن ذلك إلا توفيق من الله.
وبدأت بعد ذلك في جمع المعلومات عن المناطق التي يتوقع أن يتواجد فيها الحفار، فتوجهت إلي مكتبة القوات البحرية بالإسكندرية وجمعت معلومات عن منطقة الساحل الأفريقي الغربي بأكمله بكل موانيه وجغرافيتها والتيارات البحرية فيها والأعماق وكل شئ حتي العملة السائدة واقتصادها. وبدأت في حساب الوقت الذي يمكن أن تستغرقه القاطرة والحفار حتي تصل لأقرب ميناء وقدرت أن القاطرة لن تسير بسرة أكثر من 1.8 كم في الساعة لأنها تسحب وراءها حفاراً ضخماً وكان هذا هو توقعي وتقديري.

خطة التدمير :

بدأت مع النقيب فتحي أبو طالب المتخصص في النسف والتدمير وضع خطة تدمير الحفار وتلغيمه وقرر النقيب فتحي وضع لغم علي كل رأس مثلث من رؤس الحفار ووضع لغم رابع تحت البريمة ولكني عارضته وقلت له لو أننا وضعنا ثلاثة ألغام علي نفس الخط ووضعنا اللغم الرابع في المنتصف فسوف يساعد ذلك في انقلاب الحفار علي أحد جوانبه وهذا ما نريده ووافقني فتحي أبو طالب علي ذلك.

إختيار الرجال :

بدأت في خطوة من أهم خطوات العملية وهي اختيار الرجال الذين سيقومون بتدمير الحفار من رجال الضفادع البشرية وأدوات التنفيذ من ألغام ومواد متفجرة. وبدأت أذهب إلي لواء الضفادع البشرية وهو الذي كنت واحد منه حتي عام 1967 قبل عملي بالمخابرات الحربية وعلمت أن الضفادع البشرية من شدة حرصهم علي مصر يحاولون تطوير نوع من الألغام كان موجوداً بمصر منذ فترة وكان اللغم يحتوي علي 16 كيلوجرام من مادة (T.N.T)المفجرة وكانوا يحاولون إضافة ساعة له وعلمت أن لديهم أربعة ألغام تم تجهيزها بالفعل وبدأت في اختيار الرجال.

ما هو المعيار التي اعتمدت عليه في اختيار الرجال ؟؟

كان من المقرر أن أختار ستة من ضباط الضفادع البشرية وبدأت أولاً في اختيار قائد الضفادع ووقع اختياري علي الرائد (خليفة جودت) وهذا الرجل كان بطلاً بكل ما في الكلمة من معني وكان أستاذي وقت أن كنت أعمل بالضفادع البشرية وذهبت له في منزله وسألته عن أخباره فقال لي أنه لم يخرج في عمليات منذ فترة لأن يده كانت في الجبس فقلت له لو جاءت لك عملية غداً هل تخرج فيها فكان رده أن مد يده ونزع الجبس عن يده الأخري وقال لي أذهب فوراً وبدون تردد فطلبت منه أن نقسم علي المصحف علي ألا يعلم إنسان بهذا الموضوع وقد اخترت خليفة جودت لأنه كان شخصية فذة بالإضافة إلي أنه شارك في تطوير الألغام التي تحدثت عنها وذهبت بعدها للواء محمود فهمي قائد القوات البحرية وقتها وأبلغته بالمهمة وسلمته خطاب اللواء محرز الذي يطلب مه فيه ستة ضباط ولكن اللواء محمود فهمي أصر علي أن يقوم بالمهمة ثلاثة ضباط وثلاثة جنود واعتقد أنه تخوف من أن يفقد الضباط الستة في العملية وهذه تمثل كارثة بكل المقاييس.
وأذكر أني كنت أجلس بميس الضباط بلواء الضفادع البشرية قبل اختيار الرجال ففوجئت بأحد الضباط يدخل إلي الميس وهو غاضباً وثائراً وكان يسب ويلعن لعدم اختياره في عملية إيلات رغم تقديراته المرتفعة في التدريبات أي أنه كان غاضباً لأنه لم تتح له فرصته في الاستشهاد وكان هذا الضابط هو الملازم محمود سعد - وذهبت لخليفة جودت وقلت له إننا سنذهب لإجراء مهمة في إيلات وطلبت منه تجهيز الألغام واختيار أفراد العملية ورجوته أن يكون من ضمنهم الملازم محمود سعد واختار هو بقية المجموعة ومنهم الملازم عادل السحراوي والملازم عادل الشراكي والرقيب محمد المصري.

كيف بدأ تنفيذ العملية ؟؟

بعد أن اخترنا مجموعة التنفيذ انتقلوا للقاهرة ووضعناهم في منزل آمن لحين تنفيذ العملية وبدأت في تلقينهم الأسماء الجديدة التي اختيرت لكل منهم والشخصية التي سينتحلها عند سفره، وكان منهم من كان سيسافر علي أنه مستشار بالخارجية ومنهم من سيسافر علي أنه من مؤسسة دعم السينما وذاهب إلي تلك الدولة لتصوير فيلم سينمائي مصري واثنان منهم كمدرسين ومنهم من انتحل صفة موظف بشركة النصر للتصدير والاستيراد وظلوا في البيت الآمن لمدة ستة أيام عاشوا فيها وتعاملوا بشخصياتهم الجديدة وكنت ومعي السيد محمد نسيم والسيد أحمد هلال من المخابرات العامة نتعامل معهم علي أساس شخصياتهم الجديدة وكان من المقرر أن نحمل معنا أربعة ألغام وستة أجهزة تفجير من القاهرة إلي دكار مع الوقوف ترانزيت بمطار امستردام لعدم وجود خطوط طيران مباشرة بين القاهرة والدول الأفريقية وقتها وكنت أنا الذي سيحمل الألغام علي أن يسافر الباقون علي دفعات وسبقنا إلي دكار محمد نسيم وأحمد هلال. وأذكر أننا قبل سفرنا قابلنا السيد أمين هويدي مدير المخابرات العامة وقد ذهبنا إليه في منزله لأنه كان مصاباً بأنفلونزا حادة وبعد أن جلسنا معه قام وأمسك بكتفي بقوة قائلاً : "يا أنور سيادة الرئيس معتمد علي الله وعليك لضرب الحفار" فقلت له اعتبر أن الحفار تم ضربه بالفعل والموضوع مجرد وقت

كيف تم نقل الألغام من مصر إلي دكار ؟

كانت هذه النقطة هي أخطر ما في العملية فالألغام داخل كل واحد منها 16 كيلوجرام من مادة (T.N.T) وهي أربعة وكان معي ستة أجهزة تفجير (أقلام تفجير) وهي حساسة جداً يمكن أن تنفجر من أي احتكاك بالإضافة إلي ملابس الضفادع البشرية وهنا لا أنسي دور المخابرات العامة التي وضعت الألغام والملابس والمعدات في حقائب قامت بتغطية الألغام بمادة تمنع أي أجهزة للكشف عن الحقائب من كشف ما بداخل الحقيبة ووضعت أقلام التفجير داخل علبة أقلام أنيقة جداً داخل جيب الجاكيت الذي ارتديه ووضعت في جيبي الآخر كتاب الله. وكم كان الخوف لحظتها ليس خوفاً علي عمري بل خوف من فشل العملية وكشف الألغام وتوكلت علي الله وسافرت وكنت في حالة من الحرص والخوف لا أستطيع وصفها فكانت كل خلية في جسمي متيقظة ووصلت إلي دكار ومعي المتفجرات وفوجئت بمحمد نسيم يستقبلني في المطار ويقول لي أن الحفار غادر دكار وكانت صدمتي لا توصف. وتقرر عودتي إلي مصر مرة أخري في اليوم التالي ومعي الألغام ولسوء الحظ في هذا اليوم حدثت مفاجأة لم تكن في الحسبان فقد تم تفجير طائرة تابعة للخطوط الجوية الألمانية ومات فيها 137 فرد واتهم فيها العرب خاصة أن تلك الفترة كانت المقاومة الفلسطينية تقوم بعمليات اختطاف وتفجير للطائرات، وبالطبع تكون شعور عام معادي ومضاد جداً لكل ما هو عربي وكان المقرر أن أسافر من دكار إلي فرانكفورت ومنها إلي القاهرة ولكن لسوء الحظ وصلت خطابات تهديد لمكتب مصر للطيران بفرانكفورت بنسف المكتب وأغلق المكتب في ذلك اليوم وألغيت رجلة فرانكفورت القاهرة. وكنت قد وصلت بالفعل إلي فرانكفورت ففوجئت بعدم وجود رحلة طيران ولم يكن لنا في ألمانيا وقتها تمثل ديبلوماسي فظللت واقفاً بالمطار بجوار الحقائب حتى تأتي طائرة مسافرة لأي دولة لنا فيها تمثيل ديبلوماسي وكانت المخابرات العامة قد منحتني تذكرة مفتوحة لأي مكان في العالم وكان من الممكن أن أذهب لأي فندق بالمدينة ولكن خوفي علي الألغام ربطني بأرض المطار حتى لاحظ أحد جنود المطار وقفتي فاقترب مني في شك وقال لي أنك تقف هنا منذ فترة طويلة وهذا ممنوع فإما أن تستقبل أحد أو تودع أحد وترحل خارج المطار فقلت له إني من دولة ليس لها لديكم تمثيل دبلوماسي وإني أحمل أوراق هامة جداً للخارجية المصرية ونحن في حالة حرب مع إسرائيل وأنا لدي حجز في فندق خمس نجوم لكني لا أستطيع أن أغادر المطار ومعي الأوراق لإني أخاف أن يضربني أحد علي رأسي وتضيع الأوراق فسألني وما الحل ؟
وكان لا بد من التصرف بسرعة للخروج من هذا المأزق فقلت له هناك أحد حلين إما أن تدعوني إلي فنجان من القهوة في مكتبك حتى تصل أية طائرة تابعة لأي دولة لنا فيها تمثل دبلوماسي لأسافر عليها أو أن تطردني خارج المطار فيضربني أي شخص وتضيع الأوراق فقال أنا لا أستطيع دعوتك في مكتبي لأن ذلك ممنوع وذهب لإجراء اتصالاً برؤسائه ثم عاد وأبلغني أنه حصل علي موافقة بأن أظل تحت حراستهم في كافيتريا المطار حتي الصباح. وظللت بالفعل في الكافيتيريا حتى حان موعد قيام طائرة من فرانكفورت لأثينا فركبتها ونزلت بمطار أثينا وكانت تنتظرني هناك 

مفاجأة غير سارة.

فبعد ثلث ساعة من وصولي وجدتهم يعلنون عن وصول طائرة شركة العال الإسرائيلية فانزعجت وخفت أن يحدث عن طريق الخطأ أو الصدفة أو العمد أن تذهب حقيبة من الحقائب لطائرة العال فقررت أن أذهب لمخزن العفش وأجمع الحقائب وأجلس وسطهم وهذا كان ممنوعاً فأعطيت حارس المخزن مبلغ من المال ودخلت وجلست بالفعل بين الحقائب ويبدو أني قد غفوت قليلاً وفوجئت بعدها بشخص يضربني علي وجهي وبمسدس يوضع في جانبي فاستيقظت مفزوعاً ووجدت حارس المخزن يقول لي أنهم رجال مخابرات وذكر لهم أنه سمح لي بالدخول لأهمية الأوراق التي أحملها فسألوني هل تتصور أننا لن نستطيع حماية حقائبك فقلت له أنا أعلم إنك تستطيع أن تحميني وأنا سأتنازل عن حقي فيما فعلته معي لأني خالفت القواعد ولكني رجوته أن يتركني وأنا يترك معي إن أراد أي شخص حتى أصعد لطائرة القاهرة، وقد كان وظل معي شخصين حتى صعدت الطائرة، وكانت أصعب ساعات مرت علي فقد كنت حريصاً إلي درجة كبيرة جداً خوفاً من فشل العملية حتى أني أثناء وجودي بالقاهرة تعرفت علي الراكب الجالس بجواري ودعاني إلي سيجارة وأخرج ولاعته ليشعلها لي ولكني خطفت منه الولاعة بسرعة خوفاً من أن تكون بها مخدر أو أي شئ وقمت بإشعال سيجارته هو أولاً لأطمئن وتظاهرت بأني أشاهد الأنسيال الذي يرتديه وأبديت إعجابي به.

ماذا لو أصروا علي فتح الحقائب في أي مطار ؟؟

كنت بالفعل قد أعددت خطة لي ولكل المجموعة في حالة كشف شخصياتنا وكنت قد نويت في حالة إصرار أي شخص علي فتح الحقيقة أن أقوم بعمل مشاجرة وشغب حتى يقوم أمن المطار بضربي حتى أفقد وعيي وعندما يقوموا باستدعاء السفير أنكر أي معرفة لي بالحقائب وأدعي أنها استبدلت أثناء فقدي الوعي.
وعدت القاهرة وعقد اجتماع في المخابرات العامة وسألوني أين أتوقع أن نجد الحفار فأحضرت خريطة بحرية وقمت بحساب سرعة الحفار واقترحت مكان معين فتقرر أن أبدأ أنا البحث من شمال أفريقيا متجهاً للجنوب في كل المواني وأن يبدأ محمد نسيم البحث من الجنوب للشمال حتى نجد الحفار. وبدأت البحث وسافرت علي أني مستشار بالخارجية وكان لابد لي أن أدخل كل الحانات وأتعرف علي كل الناس وأقيم علاقات معهم حتى أني في أحد المرات تعرفت علي مدير الحركة في ميناء فري تاون ودعاني لمكتبه وذهبت ورأيت السفن الموجودة بالميناء ولم أجد بينها الحفار، وفي مرة أخري ذهبت لأحد المواني وقلت أني مندوب لشركة مصايد أعالي البحار وأبحث عن ميناء لتدخل فيه سفننا فكانوا يجعلوني أري الميناء بكل مناطقه.

رجال الخارجية العظام :

حتى وصلت إلي لاجوس وكان سفيرنا فيها هو السفير العظيم (كمال زادة) ويبدوا أنه شعر بأني مكلف بمهمة ذات طبيعة خاصة (وكانت المعلومات هي ألا أعطي السفير أي معلومات عن المهمة إلا إذا وجدنا الحفار وكنا سننفذ بالفعل) وتعامل معي السفير كمال زادة بعطف وتعاون شديد ودعاني إلي الغذاء في منزله وأثناء جلوسنا في تراس كبير يطل علي المحيط قال لزوجته بطريقة لطيفة جداً هل تذكري الصورة التي صورناها لسفينة شكلها غريب جداً فأحضرت السيدة زوجته الصورة ووجدتها للحفار وكان هذا الرجل العظيم يأخذني للميناء لأراها من الداخل وكان يريد أن يساعدني دون أن يشعرني بذلك. وأنا لا أستطيع أن أنكر الدور العظيم الذي لعبته وزارة الخارجية ورجالها في العملية.

العثور علي الحفار :

من المواقف الطريفة التي أذكرها أثناء البحث اني عندما وصلت إلي إحدى دول غرب إفريقيا أقام المستشار الموجود بالسفارة دعوة علي العشاء للترحيب بي وأثناء العشاء سألني "ما أخبار مشاجرتي مع سيادة السفير؟" وفوجئت بالسؤال فقد كان يتصور أني مسئول أبحاث الخارجية أو أمن الخارجية وكان لابد لي من التصرف بسرعة قبل أن يكشف الحقيقة فقلت له أنا حضرت لأسمع منك فحكي لي الحكاية بالكامل فقله له أنهم في مصر متعاطفين مع وجهة نظرك وسيتم نقلك إلي سفارة دولة أخري قلتها له بالصدفة والعجيب أن هذا المستشار تم نقله بالفعل إلي هذه السفارة !!

كيف وأين عثرتم علي الحفار ؟

انتقلت بعد ذلك إلي (ابيدجان) بساحل العاج ووجد هناك السفير (إحسان طلعت) ولحسن حظي كان قبل عمله بالخارجية يعمل كضابط بحري وكان هو الضابط الإداري لنا في الكلية البحرية وكان يعرفني جيداً، وحينما دخلت إليه قلت له إني المستشار فلان فرحب بي ولم يظهر أنه يعلم مهمتي الحقيقية وخرجت للبحث عن الحفار وأخيراً وجدته موجوداً بميناء أبيدجان فقلت للسفير علي شخصيتي الحقيقية وأوضحت له طبيعة المهمة فرحب بي وسألني عن أخباري وأخبار الأصدقاء المشتركين بيننا وقلت له أني أبحث عن السيد محمد نسيم فقال لي أن محمد نسيم وصل قبلي ومقيم في أحد الفنادق فاتصلت به فحضر وكان معه خليفة جودت وكانت وجهة نظري أن نقوم بتفجير الحفار في نفس اليوم لأن هذا اليوم بالتحديد كان يزور أبيدجان (آلان شبرد) رائد الفضاء الأمريكي وبالتالي سيكون جزء كبير من أفراد الشرطة مشغولين في التشريفة والاحتفال به.
وكانت هناك 3 مجموعات من أفراد العملية قد وصلوا بالفعل إلي أبيدجان ومعهم الألغام بعد أن استدعاهم محمد نسيم وتبقت مجموعة واحدة في مصر، وجمعتم كلهم في فندق وقررنا العمل قبل أن يرحل الحفار وأقمنا حفلة ماجنة وأحضرنا خمور وسيدات في الحفل للتمويه علي العمل وأبلغت المجموعة أن المهمة ستتم اليوم.

تفجير الحفار :

بدأنا في تجهيز الألغام وطلبت من خليفة جودت أن أكون أنا نقطة الإلتقاط وهي أكثر نقطة معرضة للخطر في العملية لأنها تقوم بإنزال الضفادع وتنتظرهم وتلتقطهم فرفض خليفة تماماً وأصر أن يكون نقطة الإلتقاط، وكنت قبل التنفيذ قد طلبت من السفير إحسان طلعت أن يخلي المكان لنقوم بدفن الألغام وملابس الضفادع ومعدات الغوص في حديقة السفارة حتى نبدأ العمل، وطلبت منه أن يرشح لي من عنده شخص ذو ثقة وليذهب إلي المطار لانتظار الطائرة القادمة من القاهرة وعليها الفردين الآخرين من أفراد العملية ليبلغهم بضرورة السفر إلي باريس وانتظارنا هناك لأنهم لن يلحقوا بنا قبل تنفيذ العملية لأنهم كانوا سيصلوا في الفجر وكنا قد قررنا التنفيذ في الفجر وقررت الاكتفاء بالأفراد الذين معي وبالألغام الثلاثة التي أحضروها.
وبدأنا التنفيذ بعد تجهيز الألغام وذهبنا إلي الميناء في سيارة ومعنا الألغام في الساعة الخامسة فجر يوم 7 مارس 1970 وكان الضفادع يرتدون ملابس الغوص وفوقها الملابس المدنية وبدءوا في النزول إلي المياه للسباحة حتى مكان الحفار وقاموا بتلغيمه وضبط توقيت الانفجار علي الساعة الثامنة صباحاً وكان محمد نسيم قد قام بالحجز لنا علي الطائرة التي تغادر أبيدجان في الساعة الثامنة والثلث ليضمن سفرنا قبل أن ينتبه أحد إلينا وقبل غلق المطار. وكان المفترض أن أظل أنا وخليفة علي رصيف الميناء في مكانين متباعدين حتى يرجع الرجال وكان خليفة يمسك في يده ببطارية ليوجه ضوء يهتدي علي أثره الرجال إلي طريق العودة. وأنهي الرجال المهمة وعند عودتهم فوجئنا بما جعلنا نتحفز بسرعة للتصرف بأسرع ما يمكن.
فعلي بعد 30 متر فوجئ خليفة بضوء أقوي من الضوء الذي بوجهه هو إلي الماء وكان هذا الضوء يتوجه إلي الماء والضفادع تتجه إليه وكان خليفة أكثر شجاعة ورباطة مني فأخذ في التسلل ببطيء حتى وصل إلي مصدر الضوء فوجد أحد المواطنين يقوم بقضاء حاجته في ذلك المكان وفوجئ الرجل بأشياء تتحرك في الماء فوجه لها ضوء بطاريته ليري ماذا يتحرك. فوضع خليفة بسرعة خنجره في جانب الرجل وقام بخبطه علي كتفه وقام بعمل صفارة الضفادع ليعودوا للشاطئ بسرعة وعادوا بالفعل وأسرعنا إلي السيارة واتجهنا إلي السفارة ومنها للفندق لتغير ملابسهم واتجهنا علي الفور إلي المطار.

تماسيح إلي جوار الضفادع !!

في كل خطوة من خطوات العملية كنت علي يقين أن الله معنا وكثير من المواقف كانت تحدث تؤكد أن الله فوق كل شئ وأن هناك معجزات تحدث في زمن به معجزات، فأثناء طريقنا للفندق بعد إنهاء العملية، قال لي الرقيب محمد المصري (يا فاندم وأنا أعوم في الماء كان فيه أشياء تتحرك فيجانبنا وسألني عنها فقلت له تعالي لأريك إيه الأشياء دي وكان بالفندق الذي نقيم فيه نافورة بها تماسيح فأشرت له عليها وقلت له هي دي الحاجات اللي كانت تتحرك جوارك !! وكانت قدرة الله هنا فوق كل شئ، قدرة الله التي جعلت التماسيح تعوم بجوار الضفادع بسلام دون أن تؤذيها أو تعوقها عن أداء مهمتها.
وحينما عدنا للفندق كنا نترنح كالمخمورين ونصدر أصوات عالية وضجيج. وذهبنا للمطار وحضر نسيم لتوديعنا وأشار لنا من بعيد ولوح لنا بثلاثة أصابع من يده ليقول لنا أن الألغام الثلاثة قد انفجرت وكانت فرحتنا في تلك اللحظة لا توصف !
واتجهنا إلي باريس وتقابلنا مع عادل السحراوي ومن معه وعدنا للقاهرة وبعدها أرسلت المخابرات مجموعة منهم خليفة جودت لكي يروا الحفار لأنه لم يغرق غرق كامل ولكي يكملوا العملية إذا كانت تحتاج للإكمال فوجدوا الحفار موجوداً بالحوض الجاف يباع علي أنه خردة.
وبعد فترة كتب محمد حسنين هيكل في الأهرام خبراً يقول فيه أن هناك حفار إسرائيلي تم تفجيره في أبيدجان وأن أصابع الاتهام تشير إلي الضفادع المصرية ولا أحد يستطيع القيام بهذه العمليات طويلة المدى إلا الضفادع البشرية المصرية. ولكن الاتهام كان بلا أي دليل يؤكده وتم تكريمنا بعدها ومنحني الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسام النجمة العسكرية وهو أعلي وسام مصري في ذلك وحينما تولي الرئيس الراحل أنور السادات الحكم كرمني مرة أخري حينما زارنا وعلم بالعملية ومنحني ترقية إلي رتبة المقدم.

بعد هذه السنوات ماذا تقول حينما تتذكر العملية ؟

لا أقول إلا سبحان الله وأن قدرة الله فوق كل شئ، حقاً عظيمة يا مصر .. عظيمة بكل ما فيك.. وعظيمة بأبنائك الذين يذوبون فيك عشقاً ويبذلون كل قطرة في عروقهم فدائك.
أياً كان الثمن