الجمعة، 28 أكتوبر 2011

شهادتي بشأن المرحوم عصام علي عطا علي، 23 سنة

عصام علي كان حيا منذ أيام قليلة.. لكنه فقد حياته ثمنا لشريحة هاتف محمول رأى سجانوه أنه لا يستحقها.. ادعى أحد السجناء الآخرين أنها لم تكن شريحة هاتف محمول وإنما مخدرات.. لكن مقابل هذا السجين الذي شهد بأنه يتناول المخدرات هناك آخرين، سجناء أيضا، اتصلوا بأهله، معرضين أنفسهم لنفس مصير عصام لو تك اكتشفاهم ليخبروهم بأن عصام يتعرض للتعذيب بخراطيم مياه تدخل من فمه ومن دبره.. عصام نفسه حاول الاستنجاد بأخيه قبل أن يموت بيوم.. في اليوم التالي نقل عصام بواسطة ضابط اسمه بيتر إبراهيم إلى قسم السموم بكلية طب القصر العيني.. لماذا السموم؟ وما هي طبيعة ذلك السائل الذي يقول زملاءه أنهم كانوا يملئون جسده به؟ لا نعلم بعد. لكن ما نعلمه أن عصام حرم حياته وأحلامه ومستقبله وهو بعد في عامه الثالث والعشرين.

ما أعلمه أيضا أن مصلحة الطب الشرعي لم تكن متعاونة، ولم تكن مجهزة، وأنها تعاملت مع أهل عصام بأسلوب أقرب إلى أمن الدولة منه إلى الأطباء.

ما اعلمه أيضا أن هذه اللفافة التي قيل لي أنها أخرجت من معدة عصام، اللفافة التي يريدون أن يقنعونا أنها تسببت في قتله، لم تخرج من معدة تفرز عصارات معدية حمضية، بل كانت لفافة اقرب ما يمكن أن نصفها به أنها لفافة نظيفة إلا من بضعة قطرات دم كتلك التي قد تنتج عن شكة دبوس.

ما أعلمه أيضا أنه لا عزاء في عصام علي إلى أن تأخذ العدالة مجراها.. وأكاد أوقن أنها لن تأخذ مجراها بدون تطهير كل ما قامت الثورة لتطهيره.. الشرطة، النيابة، الطب الشرعي والجيش الذي يحكم البلاد.

أخيرا أنا لم أحضر تشريح المرحوم عصام علي بل رأيته بعد انتهاء التشريح. أيضا بين كل وسائل الإعلام التي تحدثت معها أؤكد أنه لم يكن من بينها اليوم السابع وأنني لم أعط لهم أي تصريحات.

هذه شهادتي على ما حدث منذ الأمس إلى اليوم، بداية من اتصال شقيق الفقيد وانتهاء بالخروج من المشرحة بعد أن سمح لنا بالدخول مع والده ومحاميه، أتحمل مسئوليتها كاملة وعلى استعداد للمواجهة مع كل من ورد اسمه فيها.

27 أكتوبر 2011
اتصل بي شقيق المرحوم واسمه محمد علي ليخبرني ان شقيه كان في سجن طره شديد الحراسة تنفيذا لحكم محاكمة عسكرية بالسجن لمدة سنتين وقال لي أنه وصله من زملاء عصام في السجن أن عصام قد نقل إلى مستشفى القصر العيني بعد أن تعرض للتعذيب على مدى يومين. وقال آن والدة عصام زارته يوم الأربعاء في السجن وهربت له شريحة موبايل ليتمكن من الاتصال بها وطمأنتها على أحواله وأن سجينا آخر، كان المرحوم قد استلف منه خمسة جنيهات وعجز عن تسديدها، رآه يأخذ الشريحة فأخبر الضابط المسئول أن والدة عصام هربت له مخدرات. وأن زملاء عصام في السجن أخبروا أخيه أنه منذ ذلك الوقت يتعرض عصام للتعذيب والضرب وإدخال خرطوم مياه من فمه ومن "ورا" وأنه نقل إلى مستشفى القصر العيني وأن والدته سبقته إلى هناك وأنه في الطريق إليها. وأخبرته أنني سوف أتصل بالمحامين ليلتحقوا به هناك ويتابعوا معه الأمر.

وقد اتصلت فعلا بعدد من المحامين ونشرت على صفحتي على الفايس بوك وعلى صفحة النديم على التويتر طلب محامين أن يتوجهوا لدعم الأستاذ محمد علي وتركت رقم هاتفي للاتصال بي في حال استعداهم، وقد اتصل بي عدد من المحامين وابدوا استعدادهم للذهاب إلى مستشفى القصر العيني أتذكر منهم الأستاذ مالك عدلي من مركز هشام مبارك والأستاذ سيد فتحي من رابطة الهلالي ومحاميي مؤسسة حرية الفكر والتعبير ومحام آخر لا أتذكر اسمه عرف نفسه أنه من مجلس نقابة المحامين، كما اتصل بي الأستاذ خالد البلشي ووعد بإرسال صحفي إلى هناك.

في أثناء هذه المكالمات اتصل بي شقيق المرحوم عصام علي مرة أخرى وهو يصرخ على الهاتف بأن والدته اتصلت به وأنها وجدت ابنها في المشرحة .. وكان الأستاذ محمد علي يبكي ويلوم نفسه على وفاة شقيقه لأن شقيقه أخبره في اليوم السابق أنه يتعرض للتعذيب وطلب منه تقديم بلاغ للنائب العام لكن الأستاذ محمد قال له أن ذلك قد يتسبب له في متاعب..

بعدها بقليل علمت أن تقرير مستشفى القصر العيني المبدئي أفاد بأن عصام توفى نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية بسبب نزيف دموي حاد وأن النيابة تريد الاكتفاء بالكشف الظاهري وان المحامين تقدموا ببلاغ للنائب العام من أجل تحويله إلى الطب الشرعي

اليوم، 28 أكتوبر في زينهم
في الطريق إلى المشرحة اتصلت بأحد الأصدقاء فأكد لي المصدر أن التشريح توقف لأن هيئة من كبار الأطباء الشرعيين سوف يتوجهون إلى المشرحة للقيام بالتشريح، وبالتالي يجب أن نطمئن إلى أن التقرير سوف يتم كما يجب.

وصلت متأخرة إلى مشرحة زينهم. رأيت الأخ منهارا أمام باب المشرحة. الأب حاول الدخول بعد أن شعر الأخ أنه لا يتحمل الموقف. رفض طلب الأب. قيل لنا أن هناك طبيبين من أطباء التحرير بالداخل وبعد قليل خرج أحدهم د. محمد وقال أن الدكتور أحمد عصام باق بالداخل. الأب والابن وافقوا على تفويضي على الدخول نيابة عنهم. لكن الطلب قوبل بالرفض. كانت محاولات التواصل مع من هم داخل المشرحة تحدث من خال الطرق على الباب ومن خلال شباك وقف وراءه شابان وسيدة، رفضت دخول أي شخص. ثم اتضح بعد ذلك أن أحد الشابين كان هو الدكتور أحمد عصام، من أطباء التحرير المفترض أنه موجود بالمشرحة ليلاحظ عملية التشريح وقيل لي من الدكتور محمد أن لديه خبرة لأنه كان ضابطا في الجيش.

علمت أيضا من المتجمعين أمام المشرحة أن ضابطا برتبة عقيد دخل إلى المشرحة وأن مركز هشام مبارك للقانون أرسل برقية النائب العام بهذا الشأن حيث أنه لا يجوز تواجد الشرطة أثناء القيام بفحص الطب الشرعي.

في هذه الأثناء حاولت الاتصال بأصدقاء لي لتسهيل دخولنا إلى المشرحة للتأكد من سير الإجراءات خاصة وأن قرار النيابة كان ينص على أخذ عينة من الأحشاء لإثبات وجود مخدرات من عدمه على حين تتجه الشكوك إلى أن عصام مات نتيجة نزيف داخلي. وقيل لي أن هناك أوامر عليا بعدم دخول أي شخص. هذا المصدر لن يعلن عنه تحت أي ظرف من الظروف.

انتظرنا أمام المشرحة وجاء الدكتور محمد ليعطيني الهاتف لأتحدث مع الدكتور أحمد عصام من أطباء التحرير وكنت على وشك أن أطلب منه أن يتأكد من أن التشريح شامل وأنه يتناول أيضا الفحص بحثا عن إمكانية وجود نزيف داخلي. لكن في نصف المكالمة سمعت صوت امرأة تزعق فيه بأن يغلق التليفون، وانقطع الخط فعلا.

بعد حوالي ساعة من الوقوف علمنا أن التشريح قد انتهى وأنه بإمكان الوالد والمحامي وأنا أن ندخل إلى المشرحة. حاول الخال أن يدخل أيضا وقد سمح له بذلك بعد بعض الشد والجذب على أساس أنه في مجال التمريض. عند فتح باب المشرحة دخلنا وإذا بشاب، هو نفسه الذي كان يقف بجوار طبيب التحرير يمد ذراعه ليمنعني من الدخول. لم يكن يرتدي البالطو الطبي وتطاول عليا بالسب وأخبرتني السيدة المرافقة له بعد سؤالها أن اسمه الدكتور عمرو محمود، من أطباء الطب الشرعي.

أما السيدة نفسها فقد عرفت نفسها بأنها الدكتورة سعاد عبد الغفار، مديرة التشريح، وهي ذات السيدة التي كانت واقفة في الشباك وتصرخ في المحامين والأهل بأن الدخول ممنوع،

وقفت الدكتورة سعاد في ممر المشرحة تحقق مع والد عصام عن كيفية دخوله السجن والحكم وسبب الحكم عليه وتطورات الأحداث. قلت لها أنه إذا كنا بصدد تحقيق لندخل إلى غرفة ونبدأ في تحقيق س و ج وان أي شيء غير ذلك ليس من حقها. لكنها صممت وقالت بالحرف الواحد: من حقي وأنا أحتفظ بالمعلومات هنا، وأشارت إلى رأسها.

بعد استجواب والد عصام قالت تطمئننا أن تقرير الهينة الحشوية سوف يصدر قريبا ولما سألتها لماذا لن يصدر تقرير عن التشريح الكامل قالت بالطبع سوف يصدر. وقد حاول الدكتور عمرو محمود مرة أخرى أن يتدخل في الحديث لكنني رفضت وساعدت هي كذلك في إسكاته. ثم سألتني إذا كنت أتحمل رؤية المرحوم، فرددت بالإيجاب.

في المشرحة.
هذا المكان الذي دخلت إليه لا يمكن أن يمت إلى الطب بصلة. حجرة بها سريرين ألومونيوم، دماء على الأرض وعلى السريرين. المرحوم عصام مفتوح صدره وبطنه مكشوف تماما باستثناء ورقة كلينكس صغيرة موضوعة فوق عورته. مخه على رف جانب السرير المعدني، وأعضاء أخرى لم أتبينها. بدون فورمالين، بدون تلاجه. عرضت على الدكتورة سعاد ما قالت أنه حنجرة عصام وبلعومه وفردتها أمامي ثم فردت اللسان والجزء العلوي من المريء، وكلها كانت خارج الجسد لتثبت لي انه لا توجد أي جروح نافذة في أي منها. قلت لها تعلمين أن نزيفا داخليا قد يصدر عن جروح لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة فقالت لي لذلك أخدنا عينات وسوف نحللها غدا كما سوف نستخدم الميكروسكوب غدا لأن اليوم الجمعة أجازة. ثم أشارت إلى الأمعاء الدقيقة المكشوفة في جسد عصام وقالت لي بالحرف الواحد. "إذا عاوزه تدوري بنفسك اتفضلي. وأكدت لي أنه لا يوجد نزيف من أي نوع فأكدت عليها مرة أخرى أنها لا يمكن أن تقرر ذلك بالكشف بالعين المجردة فقط وأن الأمر يحتاج إلى مزيد من الإمكانيات فأكدت أن ذلك سوف يحدث غدا.

اللفافة
ثم طلبت الدكتورة سعاد من شخص ما في الحجرة أن يعرض علي العينات التي أخرجوها من جسد عصام فجاء بعدد 2 برطمان أبيض بأغطية حمراء. الأول به شيء ما لم أتمكن من رؤيته. أما البرطمان الثاني فقد قلبه الرجل في يده وأخرج منه لفافة طولها حوالي 5 أو 6 سم، بيضاء ملفوفة بخيوط سوداء عليها بضعة قطرات قليلة من الدم، وقالت أخرجنا هذه اللفافة من معدته وسوف نرسلها للتحليل غدا.

لفافة؟ أيوه لفافة! هكذا أكدت حين بدا على الذهول من استخدام نفس المصطلح الذي استخدم في قضية خالد سعيد.
عند تأكيدها على مسألة اللفافة خرجت من حجرة المشرحة إلى باب المشركة الرئيسي فحاول الدكتور عمرو محمود منعي مرة أخرى وصرخ في الحرس بألا يسمحوا لأحد بالخروج. فما كان مني إلا أن طرق بعنف على الباب من الداخل إلى أن اضطروا أن يسمحوا لي بالخروج.

د. عايدة عصمت سيف الدولة
أستاذ الطب النفسي لكلية الطب جامعة عين شمس
عضو مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب
28 أكتوبر