الخميس، 10 يناير 2013

صالح عطيه...أصغر جاسوس في العالم


****الجاسوس الذى إحترمة عبد الناصر :

قصة هذا الجاسوس قصة فريدة بالفعل فهي تجمع بين جنباتها الغرابة و الطرافة و الإثارة في وقت واحد.. هي قصة طفل مصري كان يرعى الأغنام و يقوم بتربية الدجاج في صحراء سيناء.. إندفع في طريق المخابرات العامة المصرية التي كانت وقتها تدير حربا من نوع خاص مع العدو الإسرائيلي بعد نكسة 1967 حققت فيها انتصارات ساحقة لم يفق منها العدو إلا على انتصار اكبر في أكتوبر 1973م ..
الطفل صالح واحد من أبطال عالم الجاسوسية و المخابرات الذين خدموا وطنهم في الصغر و الكبر فكما كان صالح وقتها أصغر جاسوس في العالم و أكبر من أذاق العدو الصهيوني مرارة الهزيمة، الآن هو يحتل موقعا حساسا في أحد الأجهزة الأمنية المصرية و كأنه أخذ على عاتقه خدمة الوطن و حمايته في الكبر
و الصغر .
في العام 1968 و بينما تلقي النكسة بظلالها على الجميع و تعيش إسرائيل في زهو بأنها ألحقت الهزيمة بالجيش المصري ، و إحتلت شبه جزيرة سيناء، و أقامت الحصون و المواقع المنيعة بطول القناة و داخل الأراضي المصرية التي سيطرت عليها كانت هناك بطولات على الجانب الآخر أسفرت عن نتائج باهرة كانت في طي الكتمان إلى وقت قريب حتى تم الكشف عنها و منها قصة الطفل المصري «صالح» أصغر جاسوس في العالم... فبينما كان مكتب المخابرات المصرية في شغل لا ينقطع لجمع المزيد من المعلومات عن العدو، و عدد قواته ، و نوعية الأسلحة التي يمتلكها و طبيعة معيشة جنوده، و الحراسات الليلية ،
و طبيعة حصونهم، كان «صالح» يعمل في جو الصحراء المحرقة على رعي الأغنام و تربية الدجاج محاولا الإحتماء بظل الكوخ الصغير الذي يقطنه والده الشيخ «عطية» و أمه «مبروكة علم الدين» و ذلك بالقرب من بئر قليل المياه داخل سيناء .
كان الطفل يداعب طفولته مع الأغنام و الدجاج، و يتأمل الفضاء الواسع بخياله المتطلع إلى السماء، لم يسرح خياله إلى أن يكون علامة مضيئة أمام القوات المصرية و هي تعبر قناة السويس لتحقق النصر
و ترفع القامة العربية عاليا في كل مكان ،  و لم يفكر يوماً في أنه سيكون مساعدا للمخابرات المصرية خلف العدو الإسرائيلى، و يقوم بزرع أدق أجهزة للتصنت داخل مواقع الجيش الإسرائيلي ليصبح أصغر جاسوس عرفه التاريخ.
**** تجنيد الطفل :
ظلت المخابرات تفكر في كيفية الحصول على المعلومات من خلف و داخل مواقع العدو، و كيف تحقق درجة الأمان العالية لمن يؤد هذا الغرض ؟  و في ظلمات الليل الدامس و الرياح الشديدة تسلل ضابط مخابرات في ذلك الوقت و يدعى  «كيلاني»  إلى أرض سيناء، و كان متنكرا في زي أعرابي يتاجر في المخدرات، تحدى الضابط صعوبات الصحراء حتى وصل إلى بئر المياه، و أخذ يتناول جرعات منه ،
و شاهده والد الطفل صالح ، و كعادة العرب ضايفه في كوخه الصغير ،  و دار حوار بين الضابط المتنكر في زي تاجر، و عطية والد صالح إنتهى بتكوين صداقة ، أراد الضابط تجنيد الأب لصالح المخابرات المصرية و لكن حدث أثناء إستضافة والد صالح للضابط الذي كان حريصا في معاملاته وسلوكه حتى يتعود الأب عليه أن أقنعه أنه بانتظار عودة شحنته التجارية، و في اليوم التالي ترك الضابط مجلس الأب عطية و أخذ يتجول حول بيته يتأمل السماء حتى وصل إلى الطفل و أخذ يداعبه حتى لا يشك الأب في سلوكه، و أثناء ذلك خطر ببال ضابط المخابرات المصرية أغرب فكرة وهي تجنيد الطفل صالح بدلا من الأب و تعليمه و تلقينه دروسا في التخابر ، و كيفية الحصول على المعلومات من العدو الصهيوني ، و أخذ الضابط يدرس هذه الفكرة مع نفسه خاصة أنه من الصعوبة الشك في طفل ، كما أن الطفل نفسه يحمل روحا وطنية و هذا ما لاحظه الضابط ، الذي ظل أياما معدودة ينفرد بالطفل بحذر شديد حتى إستطاع تجنيده ، وعندما إطمأن إليه و إلى قدرته على إستيعاب ما طلبه منه ، و قدرته على تحمل المهمة الصعبة قرر الرحيل. و بعدها إجتمع مع والد الطفل على مائدة الطعام  و شكره على إستضافته ثم طلب الرحيل لتأخر قافلته التجارية ، و عندما ذهب ليقبل الطفل اتفقا سويا على اللقاء عند صخرة بالقرب من الشاطئ.

****السر في الدجاجة :

كان اللقاء الأول عند الصخرة لقاء عاصفا فقد تأخر الطفل عن الموعد و إعتقد الضابط أن جهده قد ضاع ، و لكن من وقت لآخر كانت الآمال لا تفارق الضابط في الحصول على أسرار مواقع العدو، كانت الثواني تمر كأنها سنوات مملة حتى ظهر من بعيد جسد نحيف لقد كان الطفل «صالح» الذي جاء يبرر تأخيره بأنه إختار الوقت المناسب حتى لا يلمحه أحد ، كان الطفل يعرف أن مهمته صعبة ، و دوره خطير ، و أن حياته معلقة على أستار أي خطأ يحدث ، تلقى الطفل بعض التعليمات و الإرشادات التي تجعله في مأمن و ذهب ليترك الضابط وحيدا شارد الفكر يفكر في وسيلة تسمح  «لصالح»  بأن يتجول في مواقع الإسرائيليين بحرية كاملة حتى جاء اليوم التالي لموعد اللقاء مع الطفل صالح الذي كان يحمل معه بعض البيض من إنتاج الدجاج الذي يقوم بتربيته و ما أن شاهد الضابط الطفل حتى صاح وجدتها إنها الدجاجة التي ستمكنك من الدخول إلى مواقع العدو بدون معاناة أو شك فيك ، إنها الدجاجة مفتاح السر لم يعي الطفل شيئا ، و إندهش لصراخ الضابط الذي كان دائما هادئا ، و جلسا على قبة الصخرة ليشرح له الفكرة التي ستكون الوسيلة لدخوله مواقع العدو و الحصول على المعلومات بدون صعوبة أو شك في سلوكه.
****صداقات :
تركزت الفكرة في قيام  «صالح»  ببيع البيض داخل المواقع للجنود الإسرائيليين ، و بالفعل تمت الفكرة بنجاح و بدأ الطفل يحقق صداقات داخل المواقع و مع الجنود لقد كان صديقا مهذبا و بائعا في نفس الوقت ، و كان يبيع ثلاث بيضات مقابل علبة من اللحوم المحفوظة أو المربى ، و داومت المخابرات المصرية على الإتصال به و تزويده بما يحتاج من البيض لزيارة أكبر قدر من المواقع حتى يمكن جمع المعلومات منها .
بعد شهر تقريبا بدأت مهمة الطفل في جمع المعلومات بطريقة تلقائية من خلال المشاهدة و الملاحظة و بعد أشهر معدودة جذب عددا من الجنود لصداقته فكان يجمع المعلومات بطريقته البريئة من خلال الحديث معهم ، كان في كل مرة يحمل مجموعة قليلة من البيض يبعها ثم يعود إلى منزله يحمل مجموعة أخرى إلى موقع آخر تعود على المكان و تعود عليه الجنود حتى أنهم كانوا يهللون فرحا حينما يظهر .
مع الأيام تكونت الصداقات و إستطاع الطفل التجول بحرية شديدة داخل مواقع العدو بدون أن يحمل معه البيض كان يتعامل بتلقائية شديدة و بذكاء مرتفع لم تكن أبدا ملامحه تظهر هذا الذكاء ، و ظل يداعب الجنود و يمرح معهم و يلعب الألعاب معهم ، يستمع لما يقولون و كأنه لا يفهم شيئا و ما أن يصل إلى الضابط حتى يروي له بالتفاصيل ما سمعه من الجنود ، و ما شاهده في المواقع بدون ملل .
**** معلومات قيمة :
بعد أربعة أشهر بدأ حصاد الطفل يظهر في صورة معلومات لقد إستطاع أن يقدم للمخابرات المصرية ما تعجز عنه الوسائل المتقدمة ، و تكنولوجيا التجسس  وقت ذلك .
فقد نجح في التعرف على الثغرات في حقول الألغام المحيطة لأربعة مواقع مهمة بها المدافع الثقيلة بالإضافة إلى مولدات الكهرباء ، و وضع خزانات المياه ، و بيان تفصيلي عن غرف الضباط ، و أماكن نوم الجنود و أعداد الحراسة الليلية ، و كل التفاصيل الدقيقة حتى الأسلاك الشائكة ، و كان يستطيع الطفل رسمها ، و مع تعليمات ضابط المخابرات إستطاع الطفل التمييز بين أنواع الأسلحة ظل الطفل يسرد للمخابرات ما يحدث داخل المواقع من كبيرة و صغيرة و بناء على ما تجمعه المخابرات من الطفل ترسم الخطط المستقبلية لكيفية الإستفادة القصوى من الطفل مع توفير أكبر قدر من الأمان و الرعاية له .
**** مضايقات :
كثيرا ما كان يتعرض الطفل أثناء إحتكاكه بالجنود الصهاينة للمضايقات و الشتائم و أحيانا الضرب من بعضهم لكن دون شك فيه ، و كان ضابط المخابرات المصرية  «كيلاني»  يخفف عنه الآلام ، و يبث فيه روح الصبر و البطولة و كان أصدقاؤه من الجنود الإسرائيليين أيضا يخففون عنه الآلام ، و ينقذونه من تحت أيدى و أقدام زملائهم ، و كان من أبرز أصدقاء الطفل «صالح»  ضابط يهودي من أصل يمني يدعى «جعفر درويش» من مواليد جيحانه في اليمن وكان قائداً للنقطة 158 المسماة بموقع الجباسات ، ظل الطفل يتحمل مشقة المهمة حتى جاء شهر سبتمبر 1973 قبل الحرب بشهر واحد.
و بعد إختباره في عملية نفذها الطفل بدقة عالية قام ضابط المخابرات المصرية بتزويد الطفل بقطع معدنية صغيرة، و تم تدريبه على كيفية وضعها في غرف قادة المواقع التي يتردد عليها و طريقة لصقها من الوجه الممغنط في الأجزاء الحديدية المختفية كقوائم الأسرة و أسقف الدواليب الحديدية ، و كانت هذه العملية مملوءة بالمخاطر و المحاذير، و كان هناك تردد من قيام الطفل بها حتى لا يتعرض للمخاطرة ، و لكن الطفل رغب في القيام بهذه المهمة و ذهب و ترك الضابط في قلق شديد.
****قلق وحيرة :
كانت تراوده الظنون التي لا تنقطع ، ظل الضابط ناظرا إلى السماء لا يستطيع الجلوس في مكان حتى قاربت الشمس على المغيب فزاد القلق و الحيرة و التساؤل
هل تم القبض على الطفل ؟ لابد أنه يذوق ألوان العذاب الآن و ما العمل ؟ و كيف الخلاص إذا تم إكتشاف الطفل ؟ كيف يمكن تخليصه من هذا العدو الصهيوني؟ و وسط هذه التساؤلات ظهر الطفل ليغمر وجه الضابط فرحة لا يمكن تصورها. لقد عاد بكامل صحته حاملا لعلامة النصر و إستطاع إنجاز أصعب عملية في حياته ليسجل التاريخ إسمه ، لقد مكنت العملية الأخيرة التي قام بها الطفل بإقتدار المخابرات المصرية من الإستماع من خلال هذه القطع المعدنية التي بداخلها جهاز إرسال دقيق إلى كل ما يدور داخل حجرات القيادة من أحاديث و أوامر من كيفية التعامل مع هذه المواقع أثناء العبور ، كما إستطاع المصريون التعامل مباشرة أثناء المعركة مع هذه المواقع بتوجيه إنذارات إليهم للاستسلام .
كل هذا و لم يكشف الضابط في زيه الإعرابي عن شخصيته للطفل و قبل الحرب بعشرين يوما و صدرت الأوامرمن المخابرات المصرية بنقل الطفل و أسرته إلى القاهرة ، و لم يكن الأمر سهلا خاصة فقد نقل صالح وعائلته من الصحراء إلى القناة و تم عبورهم للقناة و منها إلى «ميت أبو الكوم» حيث كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات في إستقبالهم و بعد أيام من نصر أكتوبر أدرك الطفل صالح مدى أهمية ما قام به من أعمال خارقة ساهمت في إنتصارات أكتوبر و دخل صالح مبنى المخابرات المصرية فوجد الأعرابي المهرب مرتديا زيا مدنيا لتملأ الدهشة وجه الصغير، و يقوم الضابط «كيلاني» برعايته في التعليم و يدور الزمان ليجلس الطفل مكان «الرائد كيلاني» على مقعده و في غرفته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق