الجمعة، 24 أغسطس 2012

تكتيك «الإخوان» من «الحشد المضاد» إلى «تفتيت الحشد»



وسط المشاركات الداعية لمساندة الرئيس المنتخب والقيادى الإخوانى محمد مرسى، ومطالبة الأعضاء بالدعاء له، بدأت صور ومشاركات قليلة تظهر على استحياء على الصفحات الرسمية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين لمهاجمة ورفض الدعوات الحاشدة لمليونية الرابع والعشرين من أغسطس التى شهدتها منطقة المنصة ومناطق أخرى الجمعة.
بدأت الدعوة للمظاهرات الرافضة لـ«حكم المرشد» فى نهاية يوليو الماضى وتجاهلت الصفحات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين الدعوة لبضعة أيام قبل أن تبدأ فى الهجوم على الداعين لها، ففى العاشر من أغسطس أعلنت الصفحات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين عن مفاجأة ستفجرها قناة «مصر 25» المحسوبة على الجماعة، والمملوكة أسهمها لعدد من قياداتها، لتكون المفاجأة فيديو مسجلاً للإعلامى توفيق عكاشة، تم إعداده والتدخل فيه بعمليات المونتاج لإظهار المقاطع التى يعرب فيها عكاشة المعروف بموالاته لنظام الرئيس المخلوع عن قبوله بما يراه حقاً لمن يدينون باليهودية فى أرض فلسطين المحتلة، متهمًا الفلسطينيين ببيع أراضيهم والتنازل عنها.
فضح «عكاشة» بدأ كضربة بداية استمرت بعدها الصفحات المحسوبة على الجماعة فى توجيه ضربات متتابعة للداعين لمظاهرات الرابع والعشرين من أغسطس التى أطلق عليها إعلاميًا «الثورة على الإخوان»، وتصاعد معها كم المشاركات التى قامت من خلالها تلك الصفحات بتنفيذ أسلوب كثيراً ما لجأت له القنوات الإعلامية المختلفة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين لمواجهة الفعاليات السياسية المضادة للجماعة وأهدافها، وذلك بمهاجمة الداعين لتلك الأنشطة السياسية المضادة وإظهار ما تراه تلك الصفحات مواقف أو تصريحات تشينهم.
تركيز الهجوم عبر الإنترنت والوسائل الإعلامية المملوكة لجماعة الإخوان يعد تكثيفًا لاستخدام تلك التقنية التى كان أول استخدام لافت لها من الجماعة فى جمعة الغضب الثانية، 27 مايو 2011، التى أطلقت عليها جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية «جمعة الوقيعة»، وروجت عبر قناتها الفضائية وأحاديث قياداتها للصحف بالإضافة لصفحاتها على «فيس بوك» وموقع «إخوان أون لاين» أنها مليونية تهدف إلى هدم الدولة عبر الوقيعة بين الجيش والشعب ووصم المجلس العسكرى الذى كانت تتهمه القوى الثورية وقتها بالعمل على حماية الرئيس السابق وعدم تنفيذ أهداف الثورة. وخرج موقع «إخوان أون لاين» بخبر قصير يقول إن ميدان التحرير خلا سوى من عشرات تناثروا على أطرافه، وإن المليونية فشلت فى الوقت الذى كانت تنقل فيه الفضائيات صوراً للميدان الممتلئ بالمتظاهرين.
لكن الجماعة لجأت لاحقًا إلى وسيلة أخرى نجحت من خلالها فى إخفاء أو استيعاب الحشود التى ترفع مطالب تخالف ما تنادى به الجماعة وحلفاؤها من التيارات السياسية، وهى الحشد المضاد حيث عمدت الجماعة لحشد أنصارها فى تظاهرات تقام أحياناً فى الموضع نفسه الذى تقام فيه تظاهرات القوى الثورية الليبرالية واليسارية والمستقلة التى اصطلح على تسميتها جميعاً «القوى المدنية» فى مقابل التيار الإسلامى، وفى أحيان أخرى كانت تعمد جماعة الإخوان المسلمين لتوجيه الحشود نحو مواضع أخرى غير تلك التى تحشد فيها القوى المدنية المتظاهرين المتضامنين مع مطالبها المرفوعة فى المليونيات والمظاهرات المختلفة.
ففى الثامن من إبريل دعت جماعة الإخوان مع انصرافها من الميدان فى السادسة من مساء المليونية للتوجه إلى السفارة الإسرائيلية للإعلان عن موقف مناصر للحقوق الفلسطينية، وتوجه العديد من المشاركين فى المليونية التى كان مقرراً أن تتحول إلى اعتصام للمطالبة بتنفيذ ما تبقى من أهداف الثورة إلى السفارة الإسرائيلية استجابة لدعوة شباب الإخوان من فوق منصة الجماعة بالميدان، لتنتهى المليونية إلى بقاء حوالى ألف متظاهر فى الميدان بصحبة ضباط جيش أتوا لإعلان موقفهم الرافض لسياسات المجلس العسكرى، متهمين إياه بسرقة الثورة والعمل لصالح نظام الرئيس السابق، وهجمت بعدها قوات الجيش على الميدان قبل الفجر بقليل ويستشهد الشاب على ماهر.
فى التاسع والعشرين من يونيو دعت القوى المدنية إلى مليونية جديدة فى ميدان التحرير للتأكيد على مدنية الدولة، لتعود الجماعة ومعها الحركات الإسلامية إلى الميدان بعد غياب طويل، وترتفع معهم شعارات أسلمة الدولة، ورفعت الجماعة الإسلامية ومعها التيار السلفى أعلام المملكة العربية السعودية ومعها صور «بن لادن» مصحوبة بلقب الشهيد، لتحمل الجمعة فى وسائل الإعلام اسم «جمعة قندهار»، وتصدر بعض قيادات الجماعة تصريحات تعلن فيها عدم رضاها عن رفع العلم السعودى فى ميدان التحرير.
عاد الإخوان إلى تقنية الهجوم عبر وسائل الاتصال المملوكة والموالية لها ضد مليونية التاسع من سبتمبر، التى نجحت القوى المدنية فى الحشد لها، ليمتلئ الميدان كاملاً للمرة الأولى منذ ما سمى «جمعة قندهار» دون مشاركة من التيارات الإسلامية، فلجأت جماعة الإخوان المسلمين أثناء الحشد للمليونية لترويج أنها تهدف للخروج على الشرعية والالتفاف على نتائج استفتاء 19 مارس، حيث طالبت المليونية بإنهاء حكم المجلس العسكرى وانتخاب مجلس رئاسى مدنى يدير ما تبقى من الفترة الانتقالية.
وكثفت الجماعة هجومها على المليونية حتى وقع اقتحام السفارة الإسرائيلية فى الليلة ذاتها بعد أيام من الاعتصام والتظاهر أمامها احتجاجًا على مقتل جنود مصريين على يد الجيش الإسرائيلى فى أغسطس من العام الماضى.
لم تجد الجماعة بداً من العودة للحشد المضاد عقب نجاح مليونية 9 سبتمبر، فتكاتفت القوى الإسلامية على حشد مؤيديها فى ميدان التحرير الذى تظاهرت فيه القوى المدنية للمطالبة بعدم فرض وضعية خاصة للجيش فى الدستور وإعلاء مبادئ مدنية الدولة، ليرفع الإخوان المسلمون شعارات رافضة لوثيقة السلمى إجمالاً، وترفع القوى الإسلامية الحليفة للإخوان شعارات إسلامية الدولة وتعود أعلام السعودية لترفرف فى الميدان.
فى الخامس والعشرين من نوفمبر لجأت الجماعة لتقنياتها جميعًا لتفتيت الحشد للمليونية التى دعت إليها القوى المدنية أثناء أحداث محمد محمود التى استشهد خلالها 46 شخصاً، حيث انتهجت جماعة الإخوان المسلمين فى البداية الصمت تجاه الأحداث ثم أعلنت رفضها لمطالب التى يرفعها المشاركون، ثم اتهمتهم بالسعى لإفساد إجراء انتخابات المرحلة الأولى لمجلس الشعب، وقبلت الجماعة بقرار العسكرى تعيين الجنزورى رئيسًا للوزراء مشيدة بكفاءته. وأخيرًا دعت الجماعة لمليونية مضادة فى الجامع الأزهر لـ«نصرة الأقصى» وأعلنت أن الشيخ القرضاوى سيؤم الصلاة ويلقى خطبة الجمعة.
فى الخامس والعشرين من يناير عام 2012 وبينما عادت القوى المدنية لميدان التحرير فى مسيرات حاشدة تنادى بإسقاط «حكم العسكر» وتطالب بتسليم السلطة فورًا دون انتظار، جاءت حشود الإخوان المسلمين للميدان لـ«الاحتفال بالثورة» رافعة شعارات تفيد بـ«انتهاء شرعية الميدان وبدء عهد الشرعية النيابية والدستورية» بعد انتخاب مجلس الشعب، رافضة شعارات استكمال الثورة، ومؤكدة أن هذا «وقت البناء لا الثورة».
وتسبب اتباع الجماعة تقنية الحشد المضاد هذه المرة فى اشتباكات ومشاحنات متكررة داخل الميدان، لرفض المتظاهرين منهج الجماعة التى جاءت للاحتفال «قبل تمام القصاص وتحقيق أهداف الثورة» متهمين إياها بالتواطؤ مع المجلس العسكرى. وكانت الجماعة قد لجأت قبل بدء تظاهرات الخامس والعشرين من يناير لاستخدام تقنيات الترهيب عبر وسائلها الإعلامية، مؤكدة مرارًا أن أفراد قوى ثورية سيرتدون أقنعة تنسب إلى سلسلة رويات مصورة تحولت إلى فيلم شهيرV for Vendetta ويقومون بأعمال شغب تستهدف هدم الدولة.
وبعد أيام قليلة، ومع بدء الدعوات لإعلان العصيان المدنى لمقاومة «تقسيم السلطة بين العسكرى والإخوان»، حسبما ذكرت البيانات الداعية، ومنها بيان لائتلاف شباب الثورة، لجأت جماعة الإخوان لتقنية الترهيب ثانية وللدعاية المضادة عبر وسائل الإعلام التابعة لها، وأطلقت حملة «شغلنى مكانه» التى تدعو لفصل كل من يستجيب لدعوات العصيان المدنى، وهى دعوة رددتها مع جماعة الإخوان المسلمين وقتها الصفحات المعروفة بتأييدها للرئيس السابق والمجلس العسكرى من بعده، كما اتهمت الوسائل التابعة لها الداعين للعصيان المدنى بتنفيذ أجندات خارجية تهدف لتخريب اقتصاد مصر وإفقارها لتسهيل احتلالها.
نجحت وسائل الترهيب فى إفشال الدعوة للعصيان المدنى لتبتعد الجماعة عن الميدان تطبيقًا لنداءاتها التى تؤكد أن شرعيته قد زالت إلى غير رجعة، لتعود للميدان ثانية مع القرار القضائى بحل مجلس الشعب، وتدعو لمليونية «عودة الشرعية» فى الثانى والعشرين من يونيو، للرد الاستباقى على مزاعم تأجيل تسليم السلطة أو تزوير نتائج الانتخابات.
وأعلنت الجماعة وحلفاؤها من الحركات الإسلامية وعدد من القوى المدنية اعتراضها على قرار حل البرلمان الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، كما طالبت الجماعة بتطهير القضاء، متهمة إياه بكونه خاضعاً لسيطرة «الفلول»، وتوالت بعدها مليونيات عدة للجماعة وحلفائها القدامى والجدد لرفض قرارات وأحكام تراها الجماعة مخالفة للشرعية.
ومع بدء الدعوة للمظاهرات الرافضة لحكم القيادى الإخوانى محمد مرسى المنتخب رئيسًا للجمهورية عادت الجماعة لاستخدام تقنية تفتيت الحشد عبر الهجوم على الداعين لتلك المظاهرات، وإبراز تصريحات يرى الزائرون لصفحات الجماعة والمتابعون لإعلامها أنها تشهد بفشل المليونية.
المصري اليوم
24-8-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق